‪Google+‬‏ كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي للراشد ~ فيديو الأقصى

الخميس، 22 أغسطس 2013

كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي للراشد



سلسلة
التوعية السياسية الإسلامية

الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة
كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي
وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013
ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة
ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم
ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى
وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب

بقلم
محمد أحمد الراشد

بسم الله الرحمن الرحيم
الغلاف من الفن التجريدي للراشد المقتبـس من فن بيكاسو، وفيه
رجال يـيـساقطون ... صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه
والدماء تتحول إلى ... نور يضيء الدرب ..
ومن الرجال مَن ... يـنـتظر ..
ولكن  أياديهم تـمتد لالتقاط النور ..
وجعله محور التجميع والخطوة اللاحقة .. نحو الحرية ..
قبل أن تـمتدّ لالتقاط الشهداء ...
في ترجيحٍ لمفاد الوعي السياسي .. على طبـيـعة العواطف ..
وفي وفاء لمستقبل الأمة ..
فكان أنْ .. سطع النور العالي
صَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ
الموافق 29/7/2013
يباح لكل المواقع اقتباس هذا الكتاب كله أو بعضه
ويباح للأحرار في أنحاء العالم جميعاً طبعه على الورق وتوزيعه مجاناً كما هو باللغة العربية
أو ترجمته إلى أي لغة أخرى وطبعه وترويجه

ويقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية
مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة
وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين
وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني
ووصية لقادة المرابطة والجهاد في غزة أن يطبعوا من هذا الكتاب خمسين ألف نسخة ويوزعوها على كل الأحرار في غزة ليكون ميثاقاً للمرحلة القادمة ومنطلقاً في خطة الدفاع
                                                      أحرارُ مصر ....
¨          ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يرسمون أبعاد الجمال

   بهذا الانضباط الذي أبداه الإخوان المسلمون بمصر بقيادة مرشدنا المؤتمن الأستاذ محمد بديع وضبط النفس في أعقد الساعات وأشدها إحراجاً، بعد حدوث الـمجازر البشعة التي ارتكبتها قوات الجيش والشرطة المصرية أمام مقر الحرس الجمهوري بالقاهرة ثم في ميدان رابعة العدوية، ثم في مسجد القائد إبراهيم في الاسكندرية، وبالإصرار الذي أبداه الإخوان ومرشدهم النبيل وأركان مكتبه الإرشادي وقيادة حزب الحرية والعدالة، على سلوك الطريق السلمي في المعارضة، بل المبالغ في السلم: يؤذَنُ للقلم الفكري ويُتاح للمؤرخ الصادق أن يقولا بكل ثقة واعتداد: أن دعوة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية الإيمانية المعاصرة قد رسمت بمقدرة فنية عالية أبهى وأوضح خطوط وألوان أبعاد الجمال السياسي الاجتماعي، وصارت قائدة لمسيرة كل الإسلاميين والأحرار المصريين، بل لكل الأحرار في الأمة الإسلامية، فقد صحّت بداية الدعوة وصفى فكرها عند أول خطوة، ثم لزم العفافَ سلوكُها على مدى كل خطواتها، في أيام عافيتها وفي أزمان المحن الظالمة الثقيلة التي رزحت تحتها: فصحّت توغلاتها الحاضرة، واستوت في جميع العالم الإسلامي على مقعد صدق القيادة للأمة من غير عُنفٍ وإرهاب ودم مُهراق، بل هي الضحية، ودمُها هو المراق.
  لكن هذا هو آخر الزمان، حيث يُـخوّن الأمين، ويؤتَـمن الخائن، ويُكذّب الصادق، ويُصدّق الكاذب، وينطق "الرويبضة"، وهو "الفلولي البلطجي" من أعوان الطاغية مبارك، و"الشِّبيحي الزعراني" من خدم بشّار الأسد، وما كان غريبا أن تُحرّك أميركا جنرالات الجيش المصري، بتمويلٍ من آل سعود وآل نهيان، لنصرة الرويبضات وإقالة سيادة الرئيس الشرعي مرسي دعائم الخير والتنمية وإحداث أبشع انقلاب عسكري في التاريخ المعاصر بمنهجية دموية، ونواصٍ كاذبة خاطئة دعت ناديَها من المأجورين والشيوعيين إلى ساحة التحرير، وسيدْع اللهُ الزبانية، ولذلك التزم الإخوان المسلمون الوصية الربانية في مثل هذا الموقف: أن فوّض أمرك إلى الله تعالى، (واسجد واقترب)، فسجدنا، فقتّلونا رُكّعاً وسُجّدا وصياما، وكذبوا علينا، وإلى الله المشتكى.
وقد آلمني الخطْبُ، وعَصَر فؤادي، لأن القتلى من أبناء الشعب مئات، والجرحى ألوف، ولكني تأولت خيراً، بسبب التماثل التام مع حادثة قتل الكفار لمؤمني قبيلة خُزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقول عمرو بن سالم رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته التي مطلعها:
اللهم إني سائلٌ مُحمدا        حلف أبينا وأبيه الأتلدا
إلى أن قال:        وقتّلونا رُكّعاً وسُجّدا.
فقال النبي r:     * نُصِرتَ ... يا عَمرو بن سالم *
وقد زادت محنـتـنا عن مقدار محنة الصحابة رضي الله عنهم، في أننا قتّلونا ركّعاً وسجّداً وصُوّما.
والإخوان المسلمون أنصارُ الله تعالى وحلفاؤه والدعاة إلى دينه.
وكأن الملائكة تقول لمحمد بن بديع إذ هو ملحاحٌ في دعائه اليوم:
*نُصرتَ ... أيها المرشد العاقل الحكيم*
*ونُصِرَتْ جماعتُك .. بما صَبَرت على توالي المحن*
*ونصرتم أيها الإسلاميون بمصر جميعاً، الإخوان والجماعات السلفية والمستقلون*
والقائد يقول للشعب المصري اليوم ولكل الأُمة ما قاله عيسى عليه السلام:
(من أنصاري إلى الله ؟)
والله تعالى يقول:                     
(يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله)
فستؤمن طائفة، وتتلعثم طائفة.
فيؤيد الله عشاق الحرية، فيصبحوا ظاهرين.
(وبَشّر المؤمنين) أنه ينتظرهم (نصر من الله وفتح قريب).
  فعلى الرغم من عمق الألم: مازال قلبي تَسكُنُه السكينة والطمأنينة والثقة بأن آخر هذه المحنة سيتمحض لصالحنا ويخسأ الفسقة والطغاة ويعود مرسي أو أخ له مثيل، ويوم تكون الانتخابات حُرة بلا تزوير: فإن الفوز الجديد سيكون ساحقاً وبنسبة مئوية عالية غير معهودة في التاريخ السياسي، وسيكون فرجٌ بعد الشدة، وفرحٌ بعد الحزن، وستقترب الجماعات الإسلامية من بعضها البعض أكثر وأكثر وتسود بين القادة جميعاً محبة وتفاهم، ومثل ذلك بين الأعضاء، وسيكون التحاق الملايين من المواطنين بمحاضن التربية الإيمانية ومجالس العلم الشرعي وفعاليات الإصلاح الاجتماعي، ويكون نماء التيار الإسلامي إلى ثلاثة أمثاله وأكثر، وربما إلى عشرة أمثاله، لأن الانتصار وظرف الحرية سيطلق الطاقات من عقالها وقيودها، ويتقدم الدعاة كقادة للجمهور، فتنتعش الأنفس، وتَتَنقّى الأفكار، وتتوضح الوجهة، ويزيد الإيمان، وتتأجج العواطف الجهادية، فيكون كل ذلك هو المقدمة للمعركة الأخيرة مع يهود، وتزول إسرائيل، ومن غباء قادة الصهيونية: أنهم حرّشوا العلمانيين وصرفوا عليهم لإسقاط الرئيس مرسي، ولم يفطنوا إلى أن السقوط الوقتي سيؤدي إلى مسلسل الصعود الإسلامي اللاحق الذي ينتهي إلى جهاد يذهب بدولتهم، ووالله إني أكاد أقرأ ذلك، وأفهم من المسيرة القَدَرية الربانية إشارات تجتمع لتقنعني بأن الله سيعصف بالباطل داخل مصر، ثم تكون مصر قدوة لأقطار كثيرة تتحرر من الطغاة، ثم يكون التنادي للجهاد على سُنّة إسلامية واضحة، وتحت قيادات مخلصة وواعية، وراية إسلامية خضراء تملؤها حروف "اللهُ أكبر" ويكون الفتح المبين، وربما كان ذلك في سنة 2022 الميلادية بعد عشر سنوات من الآن أو تِسع، كما أوضحت ذلك في كتاباتي ومحاضراتي سابقاً، بقرينة خبر في (التلمود) لعله نبوءة من بقايا كلام أنبياء بني إسرائيل التي لم تُحرّف، وجعلوا علامة ذلك أن زوال إسرائيل سيكون بعد ست وسبعين سنة قمرية من تأسيسها حين يكون مُذَنّب "هالي" في القعر في أبعد نقطة له عن الشمس، مما سيكون في السنة المذكورة كما هو الحساب الفلكي الدقيق، وفي كتاب الأستاذ بسّام جرار عن "زوال إسرائيل" تفاصيل عن قرائن تُرجّح ذلك، واكتشف الشيخ سفر الحوالي تفسير أحد أنبياء بني إسرائيل في التلمود لرؤيا رآها الملك البابلي نبوخذ نُصّر، وأن زوال دولة إسرائيل حسب التفسير تكون في سنة 2012، وقد مرّت السنة ولم تزل إسرائيل، والجمع بين الروايتين عندي أن بدء اليقظة والتحرر الإسلامي سيكون في سنة 2012، وعلامة ذلك ثبات غزة ووفرة صواريخها وكثرة جندها وشبكة أنفاقها تحت الأرض، ثم يتأكد ويتواصل الصعود الإسلامي في كل البلاد، ثم تكون المعركة الحاسمة سنة 2022، والله أعلم، وعندي أن مسيرة الحرية الحاضرة وانتباهة المسلمين المعاصرة هي القرينة على أن عمل الإسلاميين سيتطور خلال عشر سنوات لينتهي إلى استرداد الأرض المقدسة، ولذلك كتبت كتابي الجديد "مقدمات الوعي التطويري" الذي سيصدر مطبوعا بعد عيد الفطر بحول الله ومبثوثا في موقع البيع الإلكتروني وألواح الأندرويد، ثم تتلوه كتب أخرى في التطوير الدعوي أيضاً، مساهمة مني في إنضاج مسيرة الصحوة والحرية والجهاد وتحسين مستوى الأداء الإسلامي العام، السياسي منه والاجتماعي والتنموي والمدني والحضاري، ليكون مكافئاً لمتطلبات المعركة الحاسمة.
        قد ننتظر .. واثقين أن الرياح ستدفع شراعَنا !
  وبعض هذه الثقة التفاؤلية أستمدها من المعاني العظمى الكامنة في مظاهرات ميدان رابعة العدوية التي بلغت عدة ملايين من الرافضين للانـقلاب العسكري، وملايين أخرى متوزعة في ساحات مدن أخرى بين الإسكندرية إلى أقصى جنوب الصعيد، وهي جماهير واعية ومنضبطة ملتزمة وتحت الإشراف الميداني المباشر لمرشد الإخوان وكل القيادة الإخوانية والسلفية، وبذلك تحققت حالة من السيطرة عالية المستوى جداً، والتفهم لفوائد شرط سلمية الاعتراض وافر جداً أيضاً، مع تعامل إيماني وأخلاقي وذوقي رفيع نادر المثال، والتداول الفكري المعرفي عريض وظاهر وتشارك في صنعه أرهاط عديدة من كبار المثقفين الإسلاميين وأساتذة الجامعات وعلماء الشريعة، والكل يصطف للصلاة الجامعة خمس مرات، ثم يكون التهجّد وقيام الليل، بحيث تطور هذا الاعتصام ليكون أبرع اعتصام سياسي شهدته الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث والقديم، وأضخمه وأوعاه، والمشهد يمثل كتلة كبرى يندمج فيها الإيمان بالفقه ثم بفحوى السياسة الشرعية ثم بالمعرفيات والأخلاق، بحيث لم ير مثل ذلك زاهد من رجال التربية القرآنية، لا الفُضيل ولا الجنيد ولا الغزالي، وأيضا: لم ير مثل ذلك فيلسوف كان يحلم بالمثاليات، فها هنا حقيقة بشرية في ميدان رابعة وما هي بخيال، واجتمعت كل المعرفة وتركزت واستقرت في فِناء رابعة، ومن المستحيل على أي طاغية أن يفتت ويلغي هذه الكتلة التي تستند إلى بُنية أساسية عمرها خمس وثمانون سنة من تراكمات السعي الدعوي الشامل والتربية الإسلامية المنهجية، والقلوب متصلة بعشرات ملايين أخرى من الدعاة على نفس المنهج في أرجاء العالم تتضرع إلى الله أن ينصر الله دعاة مصر، هم بين الرباط في أقصى المغرب ومدينة مراوي في جنوب الفلبين شرقاً، وبين تترستان عند سـيـبـيـريا شمالاً وموزمبيق الإفريقية جنوباً، وحتى لو أن دكتاتور مصر الجديد استطاع بقوة السلاح إجلاء الكتلة عن ميدان رابعة وفرّقها: فإن توزعها العريض في أحياء المدن والقرى سيـتـيح مخاطبة القاع الشعبي العميق وتوعيته وقيادته في عمل تغييري توفرت له اليوم التجربة والفكر والإبداع التخطيطي والمساندة الإعلامية، ولا يمكن أبداً أن تتكرر مسلسلات الطغيان السابقة، فقد ألغتها حقائق الحرية التي فطن الناس إلى معناها بعد ذهول ونسيان، وكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير منعطفاً تاريخياً في المسيرة السياسية للأمة كلها وليس لمصر فقط، وتوفرت اليوم الشجاعة والإيجابية وأنماط البذل وفداء الروح وفهم ركن النهي عن المنكر في التكوين الإيماني، والاقتحام والتوغّل واستـثمار الفوز الأول هو القناعة الشعبية السائدة الآن، وكانت السكْرة البائدة هي أثر من آثار الصدمة النفسية التي أحدثـتـها حروب الاستعمار والحرب العالمية الأولى، كما إنها نتيجة للخطة التجهيليةالتي عمل بها الطغاة الذين أتاح لهم الاستعمار احتكار الحياة السياسية وغسل مخ ثلاثة أجيال من خلال التعليم المدرسي المنحرف والإعلام المزور، ثم جعل الله تعالى مواعظ الدعوة تتراكم إلى درجة النجاح في إيقاف الهجمة التغريـبـية، فنشأ جيل الصحوة الذي نوى الاستدراك، وبقي دائباً في التربية والتطور حتى فهم الشعب الحقائق فثار، وخدمته المدنية العالمية التي أتاحت له الكومبيوتر والإنترنيت والإيميل والفيس بوك والتويتر والموبايل، وتَقاربَ الزمان والمكان من خلال المخترعات والطائرات والقنوات الفضائية، وصار العالم قرية واحدة، وارتقت ثقافة الطبقة الوسطى التي هي بين المسـتضعفين في الأسفل، والحكام الظلمة الأعلى، فقادت العملية السياسية، وتبدلت المعادلات الميدانية والاحتكارات واسـتـبداد المخابرات، ومازالت المسيرة تدأب نحو التكميل واستثمار المعطيات، والتقدير العقلاني المنطقي يقول بأن المرحلة القادمة هي مرحلة تعميق وترسيخ الحرية وحقوق الإنسان، ومن المستحيل أن يرجع الشعب إلى عهد الضيم والضهدة والاستضعاف والخنوع للطغيان، وكل القرائن تدعو إلى الجزم بأن عهد الملوك والمماليك هو تحت التصفية الجبرية القانونية الدستورية، وأن المستقبل لهذا الدين القيم، كما قالها سيد قطب رحمه الله، ولكنها رفسات المنـتهي نراها.
  ثم جزء آخر من الثقة نـسـتمده من موقف عقلاء الناس النبلاء الأشراف، أمثال المسـتـشار طارق البِشري، فإنه مع الشرعية، وينكر الانقلاب العسكري، وتكلّم بوضوح، وأمثاله كثرة، وسَفَلة القوم فقط من عبدة الدولار هم الذين يؤيدون الطغيان.
  ثم كل الثقة تحتل قلب المؤمن حين يقرأ آية (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقوله تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، وليس أقل من مائة آية في القرآن الكريم تتحدث عما يقارب هذه المعاني، ثم الله عادل ورحيم بعباده، ولا يـستـوي عنده المؤمن والفاسق، كما في آية: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ؟ لا يستوون) وقد انقسم الشعب إلى سواد عريض من الصالحين وشرذمة من المجرمين والمصلحيين باعت الضمير والدين والمبدأ والذات والعرض وكل شيء بثمن بخس دراهم إماراتـية وريالات معدودة تفنى مهما كبر رقمها، والله تعالى أغير على دينه من أن يدع الشرذمة ترفل بالسلطة وتكون الأكثرية المؤمنة في محنة وضيق وسجون وقتل، ولكنه انتصار وقتي هو سبحانه قرره لحكمةٍ تخفى علينا، ثم يكون تمكين المؤمنين إذا ثـبـتوا، وعلينا أن نقرأ المشهد قراءة قَدَرية، وأن نعتقد أن من تمام فهمنا للدين ومن أقدس واجباتنا الإسلامية: عدم الاسـتـسلام إذا جثم قَدَر الشر، بل ننازعه بقَدَر خيري ونغلبه ونُجليه، وقدر الخير في هذه الحالة تمثله الحرية وأن تكون السلطة بالأيادي العفيفة الطاهرة حتى لو لم تحكم بالإسلام، ولكنها توجِد الظروف والبـيـئة المعينة على عمل دعاة الإسلام بحرية، وتمكينهم من التـبـليغ وتربية الشعب بالتدرج على القِيَم الإيمانية وتعليمه الإيجابية.
· وأنا لا أزعم حتمية الفشل الفوري لانقلاب الجنرال السـيـسي، فربما ينجح بكثرة القتل والسجن والإرهاب من تفريق جموع ميدان رابعة العدوية ويكمم الأفواه، ولكنه لا يستطيع إدامة انتصاره مدة طويلة كما فعل عبد الناصر والأسد وطغاة آخرون، لاختلاف الظرف، ولأن الشعب حصل على جُرعة من الوعي كبيرة من خلال ثورة 25 يناير وثورات الربيع العربي، ولوجود جمهرة قيادية إسلامية عظيمة الحجم تقود الشعب في محاولة التحرر، وآليات الإعلام العالمي خارج مصر تـنقل المشهد ساعة بساعة، وأميركا هي التي تـسـيطر على الموقف داخل مصر لا الجيش، وإنما الجيش آلة مشتراة، والسفيرة الأميركية "باترسون" هي ملكة مصر الحقيقية والرئيسة النافذة الأمر، لا الجنرال السـيـسي الذي هو مجرد عميل ودُمية بيد السفيرة، وأميركا عدو عاقل، فلعلها تُدرك أن استمرار وتيرة الظلم في مصر ليس في صالحها، وتفهم من ضخامة التحرك الإسلامي المعارض ما لا يفهمه السـيـسي، فتأمر بالاستدراك وحلول وسطى هي خير لها من العصف الكامل بمصالحها وأهون من تنامي روح العداء لأميركا، ودوائر القرار الغربي تدرك ما ندركه نحن من "متوالية الطغيان والحرية" في ظواهر حركة الحياة، مما لا يدركه السـيـسي، لغبائه وضحالة مستواه العقلي والتأملي والمعرفي، وفحوى هذه المتوالية أن الطغيان إذا اشـتد جداً: تحركت أشواق الحرية في دواخل الناس فتكون ثورة تنهي الطغيان، حتى إذا رفل الناس بالخيرات والحرية مدة طويلة ضعفت احتياطاتهم، فيـسـتـيـقظ طاغية جديد يـسـتـثـمر غفلة الناس ونسيانهم لذكريات الطغاة، فيتكرر السوء، حتى إذا طال زمنه وزاد البغي: انتفض الناس وثاروا، ثم من بعد مدة يغفلون، وهكذا تـسـتمر هذه المتوالية، لكن مدة الحرية تكون أطول في كل مرة، بتأثير الوعي النامي، حتى يصل الأمر بعد تكررات عديدة إلى استقرار عهد الحرية وانقطاع الظلم، وهذا هو الذي حدث في أوروبا وأصقاع كثيرة، ونظنه هو الذي سيحدث بمصر، ولكن التطور المدني والمخترعات الحديثة والرقميات تـشـتغل لصالح أرهاط الحرية لا لصالح الطغاة، ومُدد الطغيان ستكون أقصر بشكل واضح، وعملنا لو تغلّب السـيـسي على مؤمني رابعة ينبغي أن يكون مع القاع الشعبي في الأسفل، نربيه ونوقظه ونمده بالوعي، حتى الدعاة في أرجاء العالم يمكنهم أن يشاركوا في هذه التربية والتوعية داخل مصر، من خلال الإنـترنـيت والموبايل وأنواع الإسناد التي تصبّ بمصر، وفي هذا تفصيل يتولاه فقه التطوير والتخطيط، وإن معركة الإسلام الكبرى في الأمة الإسلامية ضد الجاهلية والهيمنة الأميركية أصبح محورها مصر، ومنها سـيـنطلق النصر ويمتد، وميدانها هو الميدان.
· ثم القراءة القَدَرية لتطور الأمور في قضية فلسطين وشواهد تشهد باحتمال صحة نبوءة التلمود اليهودي بزوال إسرائيل سنة 2022 للميلاد: توجب أن تكون غزة في خلال هذه السنوات بأيدي المجاهدين من أبطال حماس، لتقود انطلاقة التحرير الكبرى الحاسمة بحول الله، واسـتمرار حكم السـيـسي العسكري يضادد ذلك، لأنه سيعمل على إحياء خطة مبارك الأميركية في حصار غزة أو الهجوم عليها، ولذلك فإن الأقدار سيوجهها الله نحو فشل الحكم العسكري وحصول الحرية ثانية بقيادة الإسلاميـين.
كيف ؟ وبأي طريقة سيكون فشل الانقلاب؟
لا أدري، وإنما أنا موقن بأن ذلك سيحدث بحول الله، وهي حكمة الله وحدها ستدفع الأقدار إلى أن تعمل لحصول هذه النـتـيجة طالما أننا على الإيمان والثبات والبذل. الشرط الوحيد المطلوب منا أن نبقى في الساحة ننازع الطغيان حتى ولو اعتقلوا قادتنا والناشطين منا، فالمفروض أن نواصل المسيرة السـياسـية الاعتراضية التي هي باب من أبوب الجهاد والنهي عن المنكر، وكلما سجنوا قادة: نبغ جيل جديد قيادي من الصف الثاني فيـتصدر ويواصل الموقف الصلب ويـسـتعين بالله أولاً، ثم بالطاقات الإسلامية الكثيرة في أرجاء الأمة الإسلامية بل والعالم كله، وبطاقات الأحرار من غير المسلمين، من خلال تـنـسـيقات وخطط تتولاها قيادات الإسلام في كل قطر لتصبّ في وادي النيل، والجهود الإعلامية في هذا الصدد مهمة جداً، والكتابات، والآداب، والشعر، والإنتاج الفني، والتحليلات السياسية، والمال، وضغوط التويـتـر والفيس بوك والإيميل ورسائل الموبايل، وتحريك جمعيات حقوق الإنسان، والأحزاب الخضراء، والمحاكم الدولية، ومراكز البحوث السـياسـية، وكبار الكتاب والمفكرين والفلاسفة، والبرلمانـيـن، ورموز التحرر في كل شعب، ويكون كل ذلك في كل العالم.
· وآية (وتلك الأيام نداولها بين الناس) تـشـهد لفحوى متوالية الطغيان والحرية التي ذكرناها، واسـتعراض تواريخ الأمم فيه شواهد كثـيرة أيضاً، والإنسانُ في هذا المجال مخيّر لا مُسـيّـر، وفي الحالتـين هو بقدر الله يتحرك، أي أن الخيار بيدنا، إن نَـشأ نخنع، فيَكرهنا الله ويعاقبنا بطول جثمة الظلم، أو إن نَـشأ نـنـتفض ونطالب بالحرية ونجهر في الميادين برفض الطاغية، فنكون أقرب إلى احتمال نزول رحمة الله وتأيـيد الملائكة لنا وتزلزُل الحكم الاسـتـبدادي، وهذا الموقف مطلوب من كل مسلم ومن كل حر من أبناء الشعب وإن كان نصرانياً أو بوذياً، وليس هو واجب دعاة الإسلام فقط، بل الدعاة هم القادة، والدخول في الحشد المعارض هو واجب كل فرد، ويكون أداؤه لهذا الواجب بنفسٍ سمحة، ومن أصوب ما قرأت في التويـتر أن البعض صار يقول: مع أني أختلف مع مبادئ الإخوان إلا أني ضد الانقلاب أيضاً،  وهو لا يدري ما هو خلافه مع الإخوان، ولو تأمل لأدرك أنه لا يـسـتطيع أن يزعم تعيـيـن شيء يختلف مبدؤه عن مبادئ الإخوان، فإن الإخوان يدعون إلى كل الإسلام، وإلى العدل والتـنمية والتعاون وأجمل الأخلاق وصلة الرحم ونصرة المظلوم وإغاثة اللهفان، وإلى كل مصلحة تعارف عليها البَـشر أنها من صفات النـبل والمروءة، فمع أي خصلة من هذه الخصال الخيرية هو يختلف ؟ لا شيء، ولكن الشيطان يحاول تخذيل عباد الله عن العمل الصالح التعاوني، ولم يـشـتـرط الإخوان على كل أحد أن يدخل صفوفهم ليتعاونوا معه، بل هم مفتوحون إزاء مبادرات كل نـبـيل يريد منفعة الناس والحفاظ على القِيَم والإخلاص للبلد، ولم يزعموا أنهم هم المسلمون فقط، بل شعارهم المشهور أنهم (دعاة لا قضاة)، وأنهم جزء من الأمة الإسلامية، ولكنه جزء امتاز بتداول العلم وممارسة التـربـية وتـنظيم الأعضاء وتخطيط العمل، فأصبح مؤهلاً بذلك لقيادة بقية المسلمين، وهذه نـتـيجة طبـيعية لحيازة تلك المزايا، فصاحب العلم في عرف كل الأمم يقود مَن لم يتعلم، والمنـتـظم أكفأ من السائب، والملتزم بتخطيطٍ أفضل من أصحاب الارتجال، فأين الغرابة، ولماذا يـسـتـنـكف مؤمن جاد يريد نهضة الأمة وزوال الطغيان من أن يقوده الإخوان ؟ لا شيء في الحقيقة، وإنما هي شـبهات يُلقيها الشيطان ليصد البعض عن تحصيل أجر المعاونة في رفع الظلم.
أما وجود احتمال قتل لو سلك المؤمن درب المطالبة بالحرية: فهذا لا يتقصده الإخوان، وهم أبرياء في قيادتهم من التهوّر والاستعجال والمغامرة، ولكنها هكذا هي الطواغيت، تقتل عشاق الحرية، وهي المسؤولة عن هذا الإثم لا الإخوان، ولكن شعوب العالم كلها قد تعارفت على دفع ضريـبة دم إذا أرادت الحرية، وكل أُمة ناهضة متقدمة الحال نراها اليوم في قوة ومكانة عزيزة: سبق لها أن دفعت هذه الضريـبة وبـسخاء، والأمم الضعيفة الآن هي التي خنعت واسـتـثقلت دفع تلك الضريبة، فلبـث فيها الطغيان، فضمر الإنـتاج وانعدمت التـنمية وتاهت فضعفت، والمفروض أن يكون كل فرد من الشعب باذلاً لنفسه في ميدان منازعة الطواغيت، لا بدافع الإسلام فقط، بل بالدافع الإنساني العام أيضاً، والذين يخنعون هم أنانيون في الحقيقة، لأنه يرى نفسه في رفاهية ولا يحاول تخليص الملايـين من الفقراء والمسـتضعفين، وهؤلاءالمواطنون في دول الخليج اعتدنا أن نسمع منهم في التويـتـر قولهم: نحن بخير، وآل نهيان عمرونا بالفضل، وآل سعود، وآل الصباح، فلا تتدخلوا في أمرنا. فنقول لهم: هذه أنانية وبقية جاهلية، فإن كنتَ في رفاهية: فما بال عشرات الملايـين من الفقراء بمصر وغيرها، ولماذا لا تعمل على الارتقاء بحالهم وتوفير الحرية لهم إن كنت مؤمناً حقاً، والمسلم أخو المسلم ؟ ولماذا لا تنكر على حكومتك إرسالها البلايين الكثيرة لعصابات الضباط الذين بدلوا واجب جيوشهم من تحرير فلسطين إلى حماية العروش ؟
· أقول: ومما يضاعف وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم: أن الأمر خرج عن حدود الخلاف السـياسي وحصلت مجزرة أمام مقر الحرس الجمهوري عدد ضحاياها في حدود الخمسين في بعض التقديرات، أو حدود السبعين في رواية الإخوان، مع أكثر من ألف جريح، ولكنّ عدد الضحايا ارتفع في يوم 12/7/2013 إلى مائة وثلاثة، لموت بعض الجرحى، والتقى الإعلامي أحمد منصور بمجموعة من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء تم الإفراج عنهم بعد اعتقالهم أياماً، فأفادوا بأنهم تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب التي هي فوق الخيال، ثم حدثت مجزرة رابعة العدوية التي اسـتـشهد فيها مائة وخمس وثلاثون وجرح أربعة آلاف وخمسمائة، ومجزرة مسجد القائد إبراهيم بالاسكندرية، وهذا وصفٌ يجعل الطاغية الجديد بمصر أسوأ وأردأ العهود الطغيانية الحديثة في العالم العربي، لأن هذه البداية تحوي نبأ نهاية دموية أيضاً، مع دماء على طول الطريق، ولا يفوقه غير القذافي في دمويته حين قَتَل أكثر من ألفٍ ومائة قتيل في حادثة سجن بو سليم.
فراجع نفسك أيها المواطن المصري السلبي الذي لم ينضم إلى مظاهرات النكير الإسلامي على الظلم الطغياني، وراجع نفسك أيضاً أيها الخليجي السلبي الذي لم يدرك بعد جريمة حكومته في صنع الانقلاب العسكري بمصر.
إن انضمام السلبـيـين إلى تيار رفض الطغيان سـيـبدل المعادلة ويلغي تفوق العسكر، فإذا حصلت انتخابات حرة لا تزوير فيها: فإن الأغلبية سـتـنحاز إلى الشرعية والحرية ويرجع الرئيس المخطوف مرسي إلى الحكم، أو ثقة على شاكلته، ويكفي الله المؤمنين مزيد قتال. وإذا كان تزوير: يلبث عشاق الحرية هم الأقوى أيضاً، لأنهم هم القاع الشعبي العريض الذي يواصل الإباء حتى يتحقق فرج بعد هذه الشدة.
· وقد عصفت بدواخلي العواطف المرسوية، فكانت قصيدة من بحر مجزوء الرَمَل نظمتُها متغنياً بفضائل ومناقب الرئيس القرآني الأمين، ومقتـبـساً وزن (طلع البدر علينا) وما في ذاك الطلوع من بركة وتـشريف، وقلت:
طلــــــــــــعَ البـــــــــدرُ علينــــــا
لامعــــــــــــــاً مثــــــــل اللآلـــي
شــــــاكراً مُرسي كثيــــــــراً
صـــــــاعــــــداً نـحو المعالـي
أيـــــها الـمرسي اللبـيــبُ
أنــــتَ حُـــــرُّ ابــن حَلالِ
أنتَ عَدْلٌ، أنت كفؤٌ
أنــــــــت مَــــــــلّاء ُالـمجالِ
ثِـــــــــــق بشعـبٍ نَثَــرَ الأشــــواقَ في دربِ الخيالِ
مِصـــــــــرُ والإسلامُ والإيـمـــــانُ:ضُمّانُ الـمـــآلِ
حيــــث نَصُّ اللهِ والـمُرسَـــــــلِ دينـــي وابــتهالـــــــي
فَهمُكَ الصارمُ: فقـــــــهٌ
صــــــــار نـجمي وهلالــي
رادفـــــاً نــــــهضةَ شعـــــبٍ
قد نـــوى صُنــــعَ الـمثالِ
السيـــــــــاســــاتُ تعاطــــت
لَعِبــــــاً واطــــــــي الفِعــــــــالِ
حِينَ حَسّت مُرسيا يرســـــــم أبعــــــــــــادَ الجَمــــــالِ
الـــمــــــوازيــــــــــــن عِــــــــــــــواجٌ
ســــــاقهــــــــا نـحــوَ اعتدالِ
علَّمــــــوا الناسَ القطيـعةْ
رَدّهـــــم صَوبَ الوِصــالِ
أدْخَـــلوا الشعـــبَ متاهاً
دَلَّــــهُــــم نَـجــــــمَ الشِمالِ
وســـقــى رُوحَ عِطــــــــــــاشٍ
بــــــــــــرحـــــــــــــــــــيــــــــــــــقٍ وزُلالِ
قُل لِنيلي: حُبُّ مُرسي
يَـــــــرْوِيَـــــــــنْ حَبَّ الخِـلالِ
جاهــليـــــات السياساتِ
تـــــــنــــــــــادتْ لِـــــــــــــقِتـــــــالـــي
بِــــــــــــعْ إلى الـــــــــــروحِ نقاءً
رُصَّ صَـــــفــــــــــــــاً لِـــــنِـــــــزالِ
صُـــن شُـموخاً غَمَر اسـتـــــعلاءَ قــاماتِ الجبـــالِ
نَـهجُــنا: وَعـــيُ شــــــروطٍ
ثُــــــــمَّ صُـــــــنْــــــعٍ لــلـــرجــــالِ
دعوتـــــــي: عَـــــزْمٌ وصَبْـــــرٌ
عنــدَ ساعاتِ السِّجالِ
طــــــــــوِّر الصفـــــــوةَ تظفــــرْ
بـــــقوىً تَـــــــــــرْعى كَــلالـي
ذي وصـــــايا (سَــــــيّـــــــــــدٍ)
رَبّــــــــــاه قُـــــــــرآن الظِــــــلالِ
بـــــيعتــــي جَزْمٌ، أُطيعُ الأمـــــــــر يــــا زيـــنَ الخِصالِ
يا بليغَ الحَرفِ وازي (الثبتَ) في صــــــــوغِ الـمَقالِ
إنّــــــك الطلـــــــــقُ الطليـــــقُ
قـــــــــــوِّ يُــمنــــى بـــــشِمـــــالِ
نـافــِسَـنْ، إجـمعْ لصوتٍ
تَـتَــــــرجّـــــحْ في الصِّيــــــــــالِ
لا تُرَعْ، واسـتـشهِدِ الصــوت تَـنَــــــلْــــــــهُ بالــــــــــدَلالِ
إقتَــــحِمْ: أنت لـهــــــا، في يــــــــــومِ حَـسْــــمٍ وانـــــتـــثالِ
                                                                                 
o       الانـتــثال: استخراجُ النبل من الكنانة ونثرها اسـتعداداً للرمي والقتال. كذا في ترتيب القاموس المحيط/1581
o       الثـبت: هو ثابت بن قيس بن شمّاس رضي الله عنه، خطيبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
o       وفي ترتيب القاموس/958: (صاوَلَهُ مصاولةً وصِيالاً وصِيالةً: واثَبَه).
o       وفي ترتيب القاموس/888: الشِمال، بكسر الشين: ضد اليمين.
o       وفي ترتيب القاموس/716: الماء الزُلال: (البارد العذب الصافي السهل السلِس).
· والمعنى في القصيدة: أن شعب مصر في حالته الطبـيعية رقيق العواطف، جمالي الأحلام والتمنيات والرؤى، ولذلك هو يـنـثر الأشواق الصادقة دوماً ويميل بالفطرة النقية إلى الثقة الأمين المؤمن، وأما ما حصل من اضطراب فهو نشاز بـسـبب خُطة صُرفت فيها الأموال لتجييش المجرمين والنكرات، وفي كل قوم رهط لا مبادئ لهم، وخوف اليهود من إسلامٍ يـتمكن بمصر وغيرها دعاهم إلى تحريك النفوذ الأميركي ليضرب ضربته، وأما عموم الشعب فهو من السوء بريء، ونحن نـثق به، وضمانُنا: عمق الروح الإيمانية السارية بمصر، والقناعة بتحكيم الشريعة، ومن ذلك انطلق مرسي، صارماً في فقهه، ناوياً تحقيق تنميةٍ قد عشق الشعبُ صورتَها المثالية التي تخيّلها لواذاً ببعض التأنـيـس الذي يداوي الوحشة التي جثمت عليه طويلاً، لكن السياسات الخفية الصهيونية الأميركية النفطية لعبت لعبـتها حين رأت مُرسياً يفهم السبيل إلى تحقيق الأبعاد الجمالية، وصار الدليلَ في مسيرة الشعب الطَموح، وروى الظمأ، وكان واضحاً أنه قد عرف طريق التطور الذي يمر بصناعة الرجال الذين يختارهم من الصفوة المتميزة الذكية، والذين سـيعالجون كَلالَ مصرَ وضعفها، فكانت بلوى القمع الذي يـنـبغي أن لا يروعنا ولا يُجفل مرسي، لأنه يـسـتطيع المضي في ثقته بشعب مصر الذي غمرته الصحوة، فيـسـتأنف المنافسة وجمع الأصوات، ويقتحم ثانية، فإن معظم عقلاء مصر ومَن يفهم التـنمية معه، وقد تـبـيّن لهم الحق وكرهوا الفساد والطغيان وقرروا استجلاب البركة الربانية على مصر بمزيد من الإيمان، وإذا منع الجنرالاتُ الإخوانَ من الترشيح، أو زوّروا النتائج الانـتخابـية: فإن ردود الفعل الشعبية سـتظل تـتفاقم وتـتـسع في أوساط الأمة الإسلامية كلها حتى تصل إلى درجة ثورة أخرى وسـتكون أضخم من الأولى وأسرع وأوعى، والانقلاب نقلنا إلى خريفٍ من بعد الربيع العربي، وسيكون هناك شتاء جاهلي شديد، ثم بعد كل شتاء ربيع جديد مُزهر.
وأنا لست بذاهلٍ عن أن الانقلابـيـين سيحاولون منع الإخوان من الترشـيح، وإذا سمحوا لهم تحت ضغوط دولية فإن التـزوير سـيمنعهم من الفوز، ولكني ذكرت محاولة جمع مرسي للأصوات في الانـتخابات في قصيدتي إمعاناً ومبالغة في تـثـبـيـت نمطنا السلمي في المعارضة، الذي هو الأجدى في الظرف الحالي، وقراءة الساحة والواقعة تجعلنا نحرص على تفويت فرصة الانقلابـيـين باتهامنا بالإرهاب كي يكون اسـتـئصالنا.
        الوجه الأميركي لانـقلاب السـيـسي ودأب أميركا في ضرب الطموح الإسلامي
  وكنا نظن الرئيس أوباما أعقل من الرؤساء الذين سبقوه، وأن الأثر الإسلامي والإفريقي في دمه سـيمنعه من العدوان ويـسـمح للحرية أن تـنـتـعش في بلادنا، فإنه عنصر مثقف أميز من بوش بكثير، ويميل إلى الواقعية والتزام المبادئ، ولكنه خيّب ظننا وسمح لمخابراته وحكومته بالعودة إلى العادة القديمة في كبت تطلعات الشعوب وصنع الانقلابات على رجال الحرية، فكان الانقلاب الإجرامي بمصر وأعطى الإذن للجاهل السـيـسي أن يكون دكتاتوراً جديداً بمصر يعيدها إلى وظيفة حراسة آل سعود وآل نهيان وآل الصباح، وحراسة إسرائيل، ومنع التـنـمية، وأوباما في فعلته هذه يـبرهن على أنه يسلك السلوك المصلحي البعيد عن الالتزام الأخلاقي المعرفي، لأن الذي يـترجح عندنا أنه يعرف جيداً أن الحق مع الإخوان والإسلاميـين ومرسي والأحرار، ولكنه يخضع لضغوط اللوبي اللصهيوني الذي يرى تحقيق أمن إسرائيل من خلال هذا الانقلاب، ويقال أن المخابرات ووزارة الدفاع دبّرتا الانقلاب، وأن وزارة الخارجية الأميركية لها رأي مخالف، ولكن سياق الأحداث يـشـير إلى ضلوع الخارجية في المؤامرة، لأن السفيرة باترسيون هي التي قامت بإنذار الرئيس مرسي وطلبت منه الخنوع فرفض، وهذا مثار اسـتغراب آخر، لأن وزير الخارجية (كيري) أحاطته هالة إعلامية حين تـسلّم منصبه زعمت أنه ضد السـياسة الإسرائـيلية، وضد التدخل في العراق والأفغان، ويرى تعميم الحرية، ولكن الشواهد تدل على ضد ذلك، وأن جميع ساسة أميركا يـنـتـهجون سياسة عدم تمكين الإسلاميـيـن من نيل السلطة.
وكان الأستاذ البلتاجي، القيادي في حزب الحرية والعدالة، قد أوضح يوم الانقلاب أن السفيرة باترسيون، سفيرة أميركا إلى القاهرة: قد زارت الرئـيس المخطوف مرسي قبل ساعات من الانقلاب، وبصحبـتها جنرال من الجيش المصري ووزير خارجية دولة خليجية، ولعله الإماراتي، فطلبت منه أن يكون رئـيسا رمزياً فقط، وأن ينقل سلطاته لرئيس وزراء جديد يعيـنه الجيش، ويوافق على حل البرلمان وإلغاء الدستور، فلما رفض أنذرته بأنه سـيُخلع بالقوة، وطلبت منه أن يقبل معونـتها له عند اعتقاله، فرفض متوكلاً على الله تعالى.
وهذه الزيارة هي الدليل الحاسم على أن الانقلاب هو قرار أميركي، وما حصل من رفض أوباما وحكومته وصف ما جرى بأنه انقلاب فيه دليل آخر قاطع على اسـتمرار رضاها عما حدث على الرغم من جنوح الانقلاب نحو الدموية وارتكاب المجازر ومقتل أكثر من ثلاثمائة مواطن في المظاهرات السلمية وجرح أكثر من ستة آلاف، وعدم الامتعاض من الكذب الصريح الذي فاه به جنرالات الجيش في زعمهم بأن إطلاق النار حدث دفاعاً عن النفس مع أن الروايات مجمعة على أن القتلى والجرحى كانوا يؤدون صلاة الفجر في مذبحة الحرس بخاصة وأن الرصاص أصاب ظهورهم وليس صدورهم، مما ينفي أي وضع هجومي، ولكن هكذا هي عادة أميركا، تـسـتعمل الجنرالات حين يضيق أمرُها ويَضعف مكرُها، وهو دأبٌ اسـتعملته في أميركا اللاتـيـنـية كثيرا وبطريقة مفضوحة ومخزية لها، واسـتـعملته في إفريقيا وآسيا وبعض البلاد العربية سابقاً، وفي تركيا كانت تحرك الجنرالات للانـقلاب مراراً قبل أن يُنهي أردوغان نفوذهم بعد تمهيدات من أربكان ثم طورغود أوزال.
· ونموذج الانقلاب الأميركي معروف، فإنها تجمع غوغاء الناس والسَفَلة وعصابات الإجرام ومافيا المخدرات، وتغدق عليهم الأموال، وتأمرهم أن ينزلوا إلى الشوارع في صورة معارضة سـياسـية، فيأتي انقلاب الجيش وكأنه اسـتجابة لرغبة شعبية، وللتمويه الإعلامي في ذلك دورٌ رئـيـس، ثم تنهال الهبات المالية الدولية والقروض من صندوق النقد الدولي لتمكين الانقلابـيـين من إرضاء الشعب ببعض الترف الوقتي السريع الزوال من خلال صرف نصف المليارات الواردة، ثم ذهاب النصف الآخر للحسابات الشخصية للجنرالات والساسة المطايا الذين يخدمون الجنرالات.
· وحين يكون أمرنا جداً، ويكون الإسلام مقترباً من الحكم: فإنّ الغرب يصطف كله ضدنا وليس أميركا فقط، بل تشاركها أوروبا، وذلك ما حصل، إذ زارت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الانقلابـيـين، واجتمعت مع السـيـسي والنكرات، وأيدت الانقلاب، ولم تجتمع بمرسي ولم يكن منها إصرار على الانقلابــيين لرؤية مرسي، فكان معنى ذلك انحياز أوروبا رسمياً للانـقلاب، وليس هناك خلاف ذلك سوى تصريحات لوزيري خارجية السويد والمانيا تـسـتغرب عنف الانقلابـيين ولا تنكر أصل عدوانهم.
· هذه المسرحية رأيناها حين أراد مُصَدّق تطوير إيران قبل سـتين سـنة، وبدأ بتأميم النفط ونوى التـنمية وتمكين المخلصين واسـتـبعاد الخونة من الساسةالقدماء عبيد الشاه، فعملت أميركا انقلابها ضده وأقصته باستخدام الغوغاء وفقراء الفلاحين، وكان رجال المخابرات الأميركية والسفير الأميركي يتحركون جهاراً نهاراً،وهناك عشرات الكتب التي تصف تفاصيل تلك الواقعة مما لا يعرفها الجيل المعاصر إلا قليلا.
· وروت بي نظير بنت بوتو قبل مقتلها في مذكراتها المطبوعة المنتشرة في الأسواق أنها كانت تعيش في أميركا، فزارها ممثل عن وزارة الخارجية الأميركية وبصحبـته ضابط من المخابرات الأميركية، وطلبا منها أن تـسـتـعد لتكون رئـيـسة جمهورية الباكسـتان، فضحكت وقالت بـسـذاجتها: كيف وأنا لا أملك حزباً ولا أنصاراً ؟ فقالا لها: نحن نطلب موافقتك فقط، وعلينا الباقي من تجميع الحشود، وحين مغادرتك المطار في بلادك سـيكون مليون باكسـتاني يهتفون باسمك، فاخطبي فيهم، ونحن نحركهم ونجعلك رئـيـسة. تقول: وحين خرجت من المطار فوجئت فعلاً بمليون يهتفون باسمي وعرفت لأول مرة أسرار السياسة ووجهاً من حركة الحياة .! وأظنها كشفت ذلك في مذكراتها لأنها تخرجت من أكسفورد بـبريطانيا وتربت تربية غربـية تميل إلى الصراحة.
فكذلك كان انقلاب السـيـسي بمصر: بلطجية من أعوان مبارك، وفلول النظام السابق، وفقراء من سكان المقابر، وملاحدة من بقايا الشـيوعيـين، ويهود، وحاقدين من الأقباط، ونوع من السلفية أتباع المخابرات السعودية غسل دماغهم شيخ إفريقي من وعاظ السلاطين اسمه الجامي يعيش في الحجاز يحمل المبخرة لتـبخير الملك والأمراء، وجمعت المخابرات الأميركية كل هؤلاء وصرفت لهم من أموال آل سعود وآل نهيان وآل الصباح ما قد يصل إلى ملياري دولار، ومليارات أخرى إلى الجنرالات وجنود الجيش والشرطة، وحصل الحشد في ساحة التحرير، وزعم الجيش أنه يـسـتجيب لرغبة الشعب، وهم في الحقيقة هؤلاء النكرات والخونة.
· وهذه التـشكيلة البائـسة من الحثالات تُذكّرُني بقصة قرأتُها في كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) للمِقِّري: أن حالة فراغ حدثت في غرناطة أثناء الاضطرابات في أيام دويلات الطوائف، فتعاون زبّال وكَنّاس على تـنصيب قصّابٍ أميراً على غرناطة، وكوّنوا عصابة من أمثالهم، ودام حكمهم أياماً، واليوم بمصر يتفق سكان القبور، مع كل جنرال فَرور، فرّ من واجب حرب إسرائيل إلى لعبة الانقلابات، ونصّبوا الطرطور الذي تـبـيـن أنه من أُم أميركية، وتخرج من كلية الحقوق بدرجة مقبول فقط، وتـنـصيـبه مخالف للدستور، لأن أمه غير مصرية ولأنه لم يؤد اليمين الدستورية كرئـيـس للمحكمة العليا أمام رئـيـس الجمهورية، فلذلك يُعتـبـَر تـنـصيبه باطلاً.
· وقصة النفوذ الأميركي في الجيـش المصري قصة قديمة جداً بدأت مع ثورة يوليو سنة 1952، وكان ضابط من الثوريـين اسمه حسن التهامي هو الذي ينـسق العلاقة بين عبد الناصر وأميركا، إضافة إلى محمد حسـنـين هيكل الذي كان موظفاً في الملحقية الصحفية للسفارة الأميركية في القاهرة، قبل أن تدفعه أميركا ليكون المسـتـشار الإعلامي لعبد الناصر، ثم زاد النفوذ الأميركي بعدما وقفت أميركا في الظاهر على الأقل ضد العدوان الثلاثي على مصر سـنة 1956 وساعدت على جلاء جيوش بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عن الأرض التي احتلت، فزادت ثقة عبد الناصر بالحلول الأميركية وحصل أول توغل أميركي إلى داخل الجيـش المصري، لكنه بقي محدوداً، فلما حصلت النكسة سنة 1967 واهتز حكم عبد الناصر وانحطت سمعته بين العرب: اضطر لقتل عبد الحكيم عامر، وكذب على التاريخ فزعم أنه مات منـتحراً، ثم سجن علي صبري وقال قولته الصادقة الكاذبة: الآن سقطت دولة المخابرات، فذهبت مثلاً، وكأن المخابرات ليـسـت بُضعة منه، ولما تولى السادات: زادت أميركا توغلها، ولكن بحذر، فلما تورط السادات بعقد معاهدة كامب ديفيد: فَلَتَ الأمرُ وصارت المخابرات الأميركية والإسرائـيلية تـتجول في محيط الجيـش المصري كما تريد، فلما قتل السادات وجاء عهد مبارك تم التوغل علانية، وصار كبار الضباط يذهبون أفواجاً إلى كليات الأركان الأميركية ليتم غسل دماغهم وشراء ذممهم وربطهم بالخطة الأميركية، وحادثة سقوط الطائرة المصرية قديماً قرب الشواطئ الأميركية كشفت ما كان مكتوماً، إذ كان على متـنها سـتة عشر جنرالاً مصرياً أتموا تدريبهم في كلية الأركان الأميركية، وربما كان بعضهم قد أبى الخنوع فقررت إسرائيل قتلهم بوضع قنبلة في الطائرة، كما أشارت التحقيقات، ثم في بقية عهد مبارك أتمت أميركا توغلها، وأصبح الجيش المصري مِلكها بالكامل، وكانت تـتـبرع بمليار وثمانمائة مليون دولار سنوياً للجيش المصري، وهي تعلم أن نصف هذا التـبرع يذهب إلى الحسابات الخاصة للجنرالات، فاشـترتهم بذلك وباع الكثير منهم ضمائرهم، ثم أوحت أميركا إليهم بفكرة بناء اسـتـثمارات خاصة للجيـش ليجمع منها أرباحاً تكفي كميزانية للجيش، بزعم وجوب سرية الميزانية العسكرية، لئلا تعلمها إسرائيل إذا أُدرجت ميزانية الجيش في الميزانية العامة للدولة، وهكذا تم بناء إمبراطورية مالية احتكارية تحت مظلة هذه المزاعم، حتى وصل الأمر إلى احتكار أغلب المخابز، وصار كل جنرال يدير بعض المعامل والتجارات، فيـبلع نصف الأرباح، وبذلك استطابوا اللعبة ونمت مواردهم الشخصية، فكان لابد أن يتحركوا ضد مرسي والإخوان أو ضد أي ثورة حقيقية تعزلهم وتوقف جريان أنهار الأموال إلى جيوبهم، وهذه هي خلاصة القصة.
· وهؤلاء الجنرالات الخونة الذين اشـترتـهم أميركا والإمارات ودولة آل سعود، وفقاً لما سَرّبه قيادي مخلص في الجيش هُم إضافة لعبد الفتاح السـيـسي: رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق صدقي صبحي، قائد سلاح الجو الفريق يونس السيد حامد المصري، قائد القوات البحرية الفريق أسامة أحمد أحمد الجندي، وقائد قوات الدفاع الجوي الفريق عبد المنعم إبراهيم بيومي التراس، وقائد المنطقة العسكرية المركزية اللواء توحيد توفيق، وأنجى الله من هذه الفتـنة كلاً من قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي، ولذلك حاولوا اغتياله وسلّمه الله وأصيب بطلقة في ساقه، وكذا نجّى الله قائد الجيش الثالث الميداني اللواء أسامة عسكر، حفظهما الله ورعاهما، فقد كان موقفهما بطولياً وأبدياً رجولة وتعفّفاً عن المال السحت الحرام، وأخلصا للوطن ولم يـنـتكسا.
وممن شارك في فتـنة الانقلاب مدير المخابرات الحربية اللواء محمود حجازي، وهو الذي اختطف الرئـيس الشرعي مرسي، وكانت مهمة الخائن مدير إدارة الشـؤون المعنوية اللواء أحمد أبو الدهب توزيع الأموال الواردة من محمد بن زايد والملك السعودي عبر الأمير محمد بن نايف، ومنها مائة وخمسـين مليون دولار إلى ياسر برهامي رئيس حزب النور السلفي. وهذه الأسماء والمعلومات تداولها موقع: www.facebook.com/ameralazem  وعنه أخذتُ، وفي المواقع تقرير أدلت به أميرة اسمها "بَـسمة" يفضح مقادير الأموال التي وُزعت على الانقلابـيـين.
· وتعود بي الذاكرة إلى الأيام الأولى من انتخاب مرسي، حيث كشف له السـيـسي خُطة الجنرال الطنطاوي وجنرالات المجلس العسكري السابق لاغتيال مرسي عند تـشـيـيع الجنود القتلى في سيناء في حادث افتعلوه، فوثق به الرئـيس مرسي وجعله وزيراً للدفاع، ثم خانه اليوم، وهذا يعني أنه وصولي انتهازي كان يرنو إلى التـسلق منذ البداية ليحكم مصر، فوشى بطنطاوي ورؤسائه من أجل ذلك لا من أجل الحقيقة، ثم نقض بـيعته لمرسي بفعلته هذه الأخيرة، وكفر بـنعمة الله عليه ثم بـنعمة مرسي حين أسـند إليه وزارة الدفاع مع أنه أصغر الجنرالات عُمراً وما كان يدري أن الطموح الشخصي الأناني والطمع الدنيوي هو الذي يُـسـيّره، وأنه على اسـتعداد لأن يكون دموياً جبّاراً من أجل الحكم، جزاراً على طريقة قصّاب غرناطة ويـسـتعين بالحثالات، وفي كل قوم زَبَدٌ وعناصر جوفاء، وليـست مصر بدعة بين البلدان.
· وهذه الأخبار وتحليلات الأحداث ترجعنا إلى الوعي القديم وتجعله جديداً وعقيدة معاصرة ومستقبلية: أن (أميركا) هي رأس الشرور كلها، وأنها هي الأخطر على الإسلام والمسلمين، وأنها عدوة الدعوة الإسلامية رقم واحد، والأقذر والأخطر علينا، وأن الداعية الذي لا يصل وعيه إلى هذه الدرجة من والوضوح والجزم هو داعية ما تزال فيه بقية من سذاجة.
  وهذا الموقف الأميركي ليس هو رد فعل لأخطاء إسلامية، أو لعنف تجاهها يُبديه تنظيم "القاعدة"، بل هو خُطة مدروسة قديمة من يوم قررت أميركا في بداية القرن العشرين إنهاء عزلتها وبدء التدخل في الشؤون العالمية، فكان احتلالها للفلبـين سنة 1901 وإلحاقها كولاية من الولايات المتحدة الأميركية، ثم تخلّيها عن ذلك بعد سنة واحدة واكتفائها بقاعدة عسكرية وجعل الفلبـين منطلقاً لتدخلاتها في اليابان والصين وكوريا، ثم منذ اشتراكها عسكرياً في الحرب العالمية الأولى في الجبهة الفرنـسـية وإسـناد أعداء المانيا مالياً، مما أتاح للرئيس الأميركي ويلسون أن يكون رئـيس مؤتمر الصلح في فرساي سنة 1919 وإعلان المؤتمر التزامه بحق اليهود في إقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وإجبار الأمير فيصل بن الشريف حسـين بالاعتبراف بهذا الحق المزعوم، فاعترف، وكوفئ بجعله ملكاً على العراق، ولبـثـت أميركا منذ ذاك التاريخ قبل ثلاث وتسعين سنة تتدخل في العالم الإسلامي، لا سياسياً فقط، بل واجتماعياً أيضاً، فقد عثرنا في الأرشيف الوطني الأميركي على تقرير مازال محاطاً بالسرية حتى اليوم رفعه السفير الأميركي ببغداد سنة 1928 فيه تفصيل أخبار العوائل العراقية المتعاونة مع السفارة في خطة إسفار نساء العراق وترك الحجاب، ثم زاد النفوذ الأميركي من خلال النجاح في تحصيل امتياز استخراج النفظ لشركة أرامكو من الملك عبد العزيز آل سعود، وبذلك صارت كل المنطقة منطقة حيوية في الاسـتراتـيـجية الأميركية، ثـم تَـمّ وضع خارطة المستقبل حين اجتمع الرئـيس روزفلت بالملك عبد العزيز على ظهر السفيـنة الحربية الأميركية، وحين بدأ نجم الإخوان المسلمين يصعد بمصر وظهرت قوتهم بعد جهادهم في فلسطين سنة 1948: اجتمع سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا في معسكر (فايد) على قناة السويس وأعلنوا وجوب حلّ جماعة الإخوان وتصفيـتها، فكان ما كان على يد الملك فاروق أولاً بعدما قتل الإمام حسن البنا رحمه الله، ثم على يد جمال عبد الناصر، وإعدامه الإخوة عبد القادر عودة والشيخ فرغلي ويوسف طلعت، وآخرين، ودخل بقية الإخوان السجون حيث كان أعنف التعذيب والبـشع، وحصل أثناء المحنة قتل تسعة وخمسين أخاً سجيـناً بالرصاص في ليمان طرة خلال إضراب داخل السجن، ثم أعدم عبد الناصر سنة 1966 سيد قطب وكوكبة أخرى، وكل ذلك بعلم أميركا وتـشجيعها، وبعد قليل من رفع السادات للمحنة وإخراج الإخوان من السجون: عاد مبارك فأحدث محنة جديدة سنة 1981 مات خلالها الأخ السـنانـيري بـسـبب شدة التعذيب، واستمر التضييق حتى 25 يناير وحصول الثورة، فما يفعله السـيـسي ليس هو غير فصل جديد في هذه القصة القديمة.
  وكان على القيادات الدعوية أن تدرك قبل أربعة أشهر من انقلاب السـيـسي أن انقلاباً سـيقع على الطريقة الأميركية، فقد أصدرت الأميركية زوجة زلماي خليل زاده الأفغاني الأصل وسفير المجرم بوش إلى العراق تقريراً عن مؤسـسة (راند) للأبحاث التي تديرها وتقدم من خلالها رؤى مسـتقبلية لساسة أميركا وعساكرها ودوائرها التخطيطية  سنورده كملحق في آخر هذا الكتاب، وأخبرتُ به الكثـيـر من القادة والدعاة حين صدوره، وخلاصة تقريرها: أن على أميركا أن تغيّر تصنيفها لأعدائها، فبعد سنوات من اعتبار (القاعدة) هي العدو الأول: يجب أن يكون (الإخوان المسلمون) الآن هم العدو الأول، لأنهم حازوا مراكز قوة بعد الربيع العربي، وهم جماعة تـتميز بالصلابة في المواقف، وفشلت محاولات تـسـيـيرهم بموازاة السياسة الأميركية، ولذلك يجب ضربهم وإنهاء حكمهم، ولأن أكثر التيار السلفي يحالف الإخوان اليوم: فإن على أميركا أن تـتوجه نحو الجماعات الصوفية وتساعدها وتعمل على تمكيـنها، والنموذج الصوفي التركي أفضل من غيره.
هذه هي فحوى التقرير الطويل، والذي يبدو أن صُنّاع القرار الأميركي اعتمدوه وأخذوا به، ومن القرائن على ذلك أني سمعتُ الرئـيس أوباما يخطب بعد شهر واحد من صدور التقرير ويذكر في خطابه أن أميركا صديقة الإسلام، والإسلام الصوفي بخاصة. هكذا سمعتُه بأُذني. فكان من الواجب علينا أن نرصد المحاولة الانقلابـية القادمة، وأنها ستكون أميركية الهوية، وأن المال سـيكون هو سلاحها الأول، ثم الإعلام. أما الإعلام فهو ظاهر ويعمل علناً، وسقط الحياء عن أسماء لامعة فقالت سُخفاً كثيراً. وأما المال فهو محاط بـسِرّية، خوفَ الفضيحة، ولكن كان من القرائن على أنه وسيلة أميركية أيضاً ما بلغنا أن كليـنـتون بعد انـتهاء رئاسته وعمله كوسـيط في القضية الفلسطيـنـية: قال لخالد مشعل: لقد حيّرتمونا يا رجال "حماس". قال خالد: نحن واضحون أيها الرئـيس وقولنا واحد. قال كليـنـتون: (نعم، ولكن ليس لكم سِعر .. !!)، وصدق وقد علّمنا تعبـيـراً في وصف أنفسـنا لم تتوصل إليه بلاغتُنا. نحن قومٌ بلا سِعرٍ، نحن بِدعةٌ بين القوى السـياسية، نعمل لله، ونخلص للأمة، ولا نـبـيع قلوبنا، وفي سبيل الله نجاهد، وإليه نـسعى ونحفد ونـتـرشح ونكون وزراء ورؤساء، وننظر إلى أجر أُخروي، وجنةٍ عَرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين الطاهرين في يوم الاختلاط والتلوّث .!!
        الوجه الناصري والعلماني للا نـقلاب
  يوصف السـيـسي بأنه سطحي ضعيف الثقافة، ولؤمُه هو الأظهر في شخصيـته، ولذلك لم تعتمد عليه أميركا في هندسة حيـثـيات الانقلاب، وإنما عهدت بذلك إلى عميلها القديم الذكي الثعلب الماكر محمد حسنـين هيكل، لأن الانقلاب الإعلامي هو فقرة في الخطة الأميركية أقوى من الانقلاب العسكري، وقد أبدى هيكل فعلاً درجة من المهارة عالية، واستطاع الإمساك بزمام أكثر الإعلاميـين وساقهم بنجاح متـميز إلى تشويه الصورة النقية الملائكية للرئـيس القرآني محمد مرسي، ونظراً لخبرته العريقة في اسـتجداء المال من ملوك وأُمراء وشـيوخ الخليج من خلال إفراطه في تمويه أخطائهم وأحوالهم: فإنه جعل المال الخليجي أهم الوسائل التـنفيذية للانـقلاب، بشراء الذمم بمبالغ خيالية لم يحلم بمثلها الجد السابع لأي خائن شارك في الانقلاب، وخولوه بالصرف دون حساب، ووصل معدل سعر الضمير الدون الوسط في الأهمية عشرات الملايـين من الدولارات، وأما الجنرالات والكبار فأرقامهم مئوية، وسـتظهر ولابد في يوم من الأيام أسرار هذا الإغداق المالي، لأن التحاسد بين الخونة سـيجعلهم يفضحون القصص الخفية. وقد بدأت دولة الإمارات تسحب بعض المبالغ من حساب عمر سليمان رئـيـس المخابرات المصرية السابق أعطته إياها قبل موته ليدير حملة انتخاب أحمد شفيق ضد مرسي، فبدأت الآن زوجة عمر بالاعتراض، وقالت في الفضائيات: أنها تعتبر ثمانية مليارات في حساب زوجها مالاً خاصاً للعائلة، ولا يجوز للإمارات استعادته، وبذلك بدأ الخلاف وكشف الأسرار، وسيؤدي التحاسد بين عديمي الضمائر وتنكشف بالتدرج كل الأسرار.
· ومن أفسد الخونة الذين تصدروا المشهد: محمد البرادعي، الأميركي الهوى والولاء والثقافة، عميل إسرائيل في قضيتها النووية، وقد رأينا حرصه وإلحاحه على أن يكون في الصدارة بأي ثمن، وحين فشل في تحصيل أصوات انـتخابية اسـتـسهل أن يكون ذيلاً للجنرالات، وقصته مشهورة في تمكين أميركا من تدمير العراق من خلال تقاريره الكاذبة، واتهمه العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان في مقال له قبل أشهر بأنه كان يُـشدّد الرقابة الذرية حتى على مصر بلده وليس على العراق فقطـ، ورأيت بنت عمه الدكتورة الخبـيـرة في علم المعادن والفلزات تتحدث في الفضائيات وتـتهمه بضعف القِيَم والتأمرك، وتـنكر عليه تدخله، وبلغني أنه كان يأمر أمه العجوز الحاجّة بنزع حجابها، لكنها أبت.
· ويكتفي الناقدون للبرادعي بذكر جريـمته في العراق من خلال تقاريره المزورة التي اتكأت عليها أميركا في تدمير العراق والتـسـبب في فتـنـة عمياء مازالت مسـتمرة، أو منعه لمصر من البحوث الذرية بمقابل احتكار إسرائيل للسلاح الذري، ولكني أذهب إلى ما لم يذهب إليه أحد من العرب، وأجزم بعد تفكير عميق ومراقبة لسـيرته وزياراته لإيران حين كان مديراً لإدارة الرقابة على النـشاط الذري: أنه وبسـبـب إغواء من زوجته الإيرانـية قام بالتغطية على النشاط الإيراني عن عمد، وخدم إيران وأتاح لها الاستمرار في تصنيع السلاح الذري وتحقيق تفوق اسـتراتـيـجي على العرب وتركيا، وفعل ذلك بمعرفة أميركا وإسرائيل، فأما أميركا فلقرارها الأمني بالتحالف مع الشـيعة في العالم والأخذ بوصية نـيكسون التي كررتُ ذكرها في كتبي، ومن لوازم ذلك تحقيق تفوق إيراني مسـتقبلي على الخليج والعراق وكل العرب، وجعلها اللاعب الأقوى في المنطقة، وخلال ذلك تأمن أميركا من تعدّيها على حقول النفظ الخليجية، لأنها في مقام الشكر على ما أتاحت لها أميركا من قوة. وأما إسرائيل: فلأنها تواصل التعاون التارخي الدائم بين اليهود والشيعة الذي وصل درجة واضحة في أيام الفاطميـين، وفي أيام الصفوية الفارسية التي اسـتلمت أموالاً وسلاحاً من إمارات جنوا والبندقية لضرب مؤخرة الجيوش العثمانية وإعاقتها عن مواصلة فتوحاتها في أوروبا، وهي قصص طويلة لا يـسـعها هذا الكتاب. أما تركيا فلم تتكاسل، بل شرعت في بحوثها النووية فوراً، وإسرائيل التي تركت الصناعة النووية الإيرانية تـسـتمر دون هجوم عليها إنما تخاف من عدوى تجعل تركيا ذات سلاح نووي، فتـسـتعمله حكومة إسلامية قادمة في تركيا في تحيـيد السلاح النووي الإسرائـيلي، وأما سلاح إيران فإنها لا تخاف منه، وقد كانت هي مصدر تـسليح إيران أيام الحرب العراقية الإيرانـية، وهكذا فإن جريمة البرادعي الكبرى هي في تمكين إيران من التفوق على العرب، وانهيار الأمن الاسـتراتـيـجي العربي عندئذ بالكلية، وهذا ما لم يُدركه آل سعود وآل نهيان وآل الصباح حتى الآن، واشـتغلوا بنقض النفوذ الإسلامي في مصر بدل الاسـتقواء به على إيران، وسوف يتذكر مَن يـتذكر بعد سنوات حين توسع إيران ترسانـتها النووية أن الراشد حذّر من ذلك ولم يُنصت له ملوك الصحراء، وأن البرادعي أكبر عميل لإيران منحها التفوق بـتـشجيع أميركي إسرائـيلي، وإنه هو الذي وجّه أكبر ضربة لخُطة الأمن الاستراتـيـجي العربي، ومن ثم لخطة أمن الأمة الإسلامية كلها.
· وأما حمدين صباحي فكانت أميركا تُعدّه لرئاسة الجمهورية منذ سنة 2005 كأفضل ناصري يـتفهم مقاصدها، فأسـندته بمليوني دولار سنوياً تحولها علناً إلى حساب جمعية للتوعية الديمقراطية أمرته بأخذ إجازتها، وقالت مرة للرقابة المالية الأميركية في تبرير ذلك إنه رجل مهم في مسـتقبل مصر، فهو  صنـيعة المخابرات الأميركية إذاً، وفهم مغزى التحالف الأميركي الشـيعي العام وأقام علاقة قوية مع حزب اللات بلبنان وحسن نصر الله الذي درّب له مليـشـيا خاصة هي التي قامت بالشغَب وضربت بالرصاص في الجيزة المظاهرات المؤيدة لمرسي يوم 30 يونيو، ثم شاركت في مذابح رابعة ومسجد أحمد إبراهيم.
· وقبل سنة: انفضحت أسرار العلاقة التـشاورية والإسنادية المالية بين عمرو موسى ثالث الوجوه الناصرية، وبين المخابرات الإسرائـيلية، عبر لقاء دبّره محمود عباس للجمع بـيـنهما في بيت لحم، واضطر موسى للاعتراف بحصول الاجتماع، وكانت مصادر حماسوية قد ذكرت لي أن عمرو موسى في آخر أيام مبارك كان يضغط عليها للاعتراف بإسرائيل والدخول في صلح معها، وكان يقول لهم: كونوا واقعيـين، فإسرائيل حقيقة واقعة، ويجب أن تيأسوا من أن تزول.
· ومن الوجوه العلمانية الناصرية في الانقلاب الأميركي: رئـيس الوزراء حازم الببلاوي، وتـبـيّن أنه كان أحد الداعين لتوريث جمال مبارك حكم مصر من بعد أبيه، وأنه كتب مقالاً يعترض فيه على القرآن ويزعم أن المسيح عليه السلام كان له أب، وهذا في الفتوى الشرعية كفرٌ محض، ويكفي ذلك لبـيان هويته.
· وأتعس أفراد المجموعة: الرئـيـس المزوَّر عدلي منصور، وقد كتب الإعلامي أحمد منصور أنه عثر على وثائق تؤكد يهوديته، ولعل ذلك من جهة أمه الإميركية على الأقل، فكأنها يهودية أميركية، وعند اليهود يـثـبـت النسَب من جهة الأم، فمن كانت أُمه يهودية فهو اليهودي، وليس من جهة الأب، ويقال أنه أراد التـنصّر، فرفضته الكنـيـسة، فأظهر الإسلام، وهو يـشـتهر بين الأقران بالغباء وكثافة العقل، وأصح وصف له: وصفُ البلتاجي أنه: طَرطور، أي الأرعن السخيف الخفيف الذي يجعله الأقران مهزلة ومحل سخرية، هذا في اللغة العامية، وأما في القاموس المحيط مادة طرر: فإن الطُرطور: الوغْد الضعيف، وذلك المعنى العامي من هذا الضعف في الذكاء والشخصية.
· والقضية أبعد جداً من بضعة أشخاص يظهرون في الواجهة، فإن عبد الناصر كان يـشـتغل بتخطيطٍ بعيد المدى، بموجبه بنى حكومة سرية داخل أجهزة الحكومة الظاهرة، وأوجد عشرات المسلسلات التـنظيمية التي تضم الواحدة صفّاً طويلاً من الحلقات من الضباط ورجال المخابرات والموالين له، ونشرهم في كل مرافق الدولة والوزارات والقوات المسلحة والسفارات، ويـتحركون من خلال توجيهات مركزية للحفاظ على الطبـيعة العلمانية للدولة، وتغليب الفكر القومي، والحفاظ على زعامته، ولما مات حافظ أنور السادات على هذا الجهاز السري وحوّله لحماية مصالحه، ونفس الشيء فعله مبارك، وكان عمر سليمان السيء الذكر آخر من أدار هذه الدولة الخفية، ولو بقي حياً لأدارها اليوم أيضاً، ولذلك استعانوا بمحمد حسـنين هيكل في التخطيط لهذا الانقلاب، فالتحرك مسـتـند إلى وتـيـرة مسـتمرة من العمل المضاد المنظم وليس إلى خطة وقتية، وهناك خبرة متراكمة وتفكير نصف قرن واجه جهود مرسي والمكتـسـبات الثورية ويريد إحباطها، وكان من الواضح لكل مراقب أن الإصلاح الثوري الإسلامي يواجه سَدّاً منيعاً من القضاة المنحازين للاستـبداد، وقصة المحكمة الدستورية والامتـناع عن رقابة العملية الانـتخابية شواهد على ذلك، وكذا المخابرات والقوات المسلحة، بقيت موالية للطاغية، ثم جهاز وزارة الخارجية بقي بولائه المزدوج لأميركا ولإسرائيل من خلال الذود عن باطل كامب ديفيد ومحاولة عزل غزة، وكانت أخطر سلسلة في التـشـكيل السري: الجهاز الإعلامي الشرس الذي اسـتعمل كل أنواع الكذب على الشعب ورهن نفسـه عند الحفاة العراة من رعاة الشاة والبعير الذين يـتطاولون في البـنـيان في الصحراء والخليج، حتى إن الإعلامي عمرو أديب كتب بعد عشرة أيام من الانقلاب مقالاً يقول فيه إن الفلسطيـنـيين يستحقون القتل، وجهر بـتحية إسرائيل.
وبعض الدعاة يظن أن أصول تحليل الأحداث السياسية ومنهجية البحث: تمنع من ذكر الأصول العائلية للساسة، وأن ذلك لا دخل له في تقويم الأحداث، وأنا لا أرى صواب هذا الاعتراض، فإنه منهج أميركي تغطي به أميركا حقائق بعض الساسة، ومنهجنا الإسلامي يسوغ ذلك، لأن الأصول العائلية والأنساب هي قرائن على نوع السلوك، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن العِرق دسّاس، والتجارب كثيرة، وقصص الاندساس اليهودي متكررة، ومن تمام اندساسهم: أن يقولوا للناس: إن منهجية البحث تمنع من الاسـتـشهاد بأنـساب الساسة.
        الوجه اليهودي الإسرائـيلي لـلا نـقلاب
  ما أخفت إسرائيل تخوفها من فوز الرئـيس القرآني محمد مرسي، بل أعلنت عن ذلك مراراً، وقبل يومين من الاعتصام الانقلابي في ساحة التحرير رأيت أستاذاً في جامعة تل أبـيـب اسمه (ليفي) يتكلم في ندوة في التلفزيون الإسرائـيلي فال فيها إن إسرائيل جادة في تمكين الجهود الانقلابية بمصر، وإنها سوف لا تكرر الخطأ الذي وقعت فيه في غزة، وعقد مقارنة مع حالة الجزائر سنة 1992.
· ثم بعد الانقلاب كتـبت صحيفة هاآرتس الإسرائـيـلية أن الجنرال السـيـسي تحول إلى بطل في إسرائيل، وقالت صحيفة يديعوت أحرانوت إن ارتياحاً يسود إسرائيل بعد الانقلاب.
· وأغلب الظن أن إسرائيل ضغطت على الإدارة الأميركية كثيراً ودفعتها في طريق تدبـير الانقلاب، فالرغبة الأميركية موجودة، ولكن إسرائيل أعطتها زخماً مضاعفاً، والقرائن على ذلك كثيرة، ونتائج الرصد للإعلام الإسرائيلي تـشـير إلى حدوث تحريض على مدى كل أشهر السنة التي قضاها مرسي في السلطة، ورأيتُ الكثير من ذلك في النشرة الفلسطينية الأمنية اليومية التي تصدرها منظمة "حماس" الجهادية وترصد فيها مما ترصد أقوال الإعلام الإسرائيلي، وقالت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي يوم 15/7 أن البرادعي زار إسرائيل ومعه أحد جنرالات الانقلاب واجتمعا برئـيس الوزراء نـتـنـياهو للتـنـسـيق، وأن السـيـسي كان قد أخبر إسرائيل بعزمه على الانقلاب قبل ثلاثة أيام من حدوثه، وأن سفير إسرائيل إلى القاهرة رجع ومعه جميع جهاز السفارة وأعاد فتحها بعد توقف دام أكثر من سـنـتـيـن.
· والحقيقة أن الاختراق اليهودي للحياة السـياسـية والعسكرية المصرية قديم جداً يمتد إلى أيام الملك فاروق ومجموعة الضباط الأحرار، فقد أخبرني الأستاذ محمد فريد عبد الخالق رحمه الله، وهو عنصر رفيع الثقافة والاطلاع، ومن قدماء الإخوان المسلمين: أنه مع أصحابٍ له تـتـبـعوا أصل جيهان زوجة أنور السادات، فأوصلهم التحري والبحث الدقيق إلى أنها من يهود جزيرة مالطا، وعائلتها معروفة هناك، وأن العناصر الصهيونية وجهتها للاقتراب من السادات وإغرائه يوم كان ضابطاً صغيراً، فتزوجها واحتووا السادات ودفعوه إلى أن يكون خليفة عبد الناصر، وإنهم لما نجحوا في ذلك: قرروا احتواء حسـني مبارك ودفعه ليكون خليفة السادات من خلال تزويجه بسوزان اليهودية أيضاً، والتي اكتشف الأستاذ محمد فريد أنها بنت عم جيهان ومن نفس العائلة المالطية، واسـتـثمر اليهود هذه القرابة لضمان وراثة مبارك للسادات.
فالواجب علينا أن نتأمل في عمق هذا التخطيط اليهودي المسـتمر الذي أتاح لإسرائيل أن تتدخل في رسم السياسة المصرية مُذ كان السادات نائباً لعبد الناصر قبل خمسـين سنة وإلى الآن، ومازال مكر هاتـين الجاسوسـتـين قائماً، وأرادتا دفع جمال مبارك ليخلف أباه وليحكمنا يهودي بحت ابن يهودية مالطية، ولكن ثورة 25 يناير منعت هذا الحلم، فكان الالتفاف من خلال تدبـير انقلاب السـيـسي، ليأتي بمبارك إلى الحكم ثانية، ولتـنـصيب جمال اليهودي رئـيساً لمصر لخمسين سنة أخرى، فتأمل، وهل يعقل عاقل أن جيهان وسوزان بعيدتان عن المؤامرة الانقلابية الخيانية بعدما دسـتهماالوكالة اليهودية في عمق السياسة المصرية لتقوما بـتـنصيب الولد اليهودي حتى إذا حانت الفرصة اعتزلتا ؟ هذا مسـتـحيل وخلاف مفاد العقل، وأجزم بأن الانقلاب يهودي بالدرجة الأولى، وأن السـيـسي سـيـسعى لإرجاع مبارك إلى السلطة ثم توريث ابنه اليهودي جمال الحكم من بعده، ولكن أملنا أنهم يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، وأن وعي الشعب ووقفة الإسلاميـين والمخلصين الاعتراضية سـتصل إلى نـتـيجة إيجابـية بحول الله، ويحمي الله الشعب، لأن المسـيرة القدرية تقتضي ذلك، إذ هناك عشر دراسات أميركية كلها تؤكد حتمية زوال إسرائيل سنة 2022، وأهمها دراسة كيـسـنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق، وقد جمع باحث مصري كل هذه الدراسات وعرّف بها في مقال له قبل أقل من سنة، سنورده في كتاب لاحق، وعودة مبارك وابنه جمال تخالف هذا السياق القَدَري الرباني، ولذلك لن يكون أبداً بحول الله، بل يفشل الانقلاب الآن أو بعد مُدة من البطش الدموي، وتحكم مصر دولة جادة تعيد تربية الجيش وتـنقيـته من مجموعة الجنرالات الخونة ليـسـند جهاد غزة ثم ليشارك في معركة المستقبل، معركة تحرير فلسطين إن شاء الله تعالى رغم أنف الفسقة والملوك والمغامر المغمور محمد بن زايد آل نهيان الذي يـتـشـبه بمغامرات دحلان الفلسطيـني.
· وبعد تدويني لهذه الأسطر وردت أنباء من مصر أن الإخوان اكتشفوا في 18/7 من خلال تحقيقاتهم ونـبـشهم للتاريخ والوثائق الرسـمية أن السـيـسي نفسه أُمه يهودية مغربية، ومعنى ذلك أنه يهودي في عرف اليهود وإن كان أبوه مصرياً، ويقال إن زوجته محجبة وتصلي وتلبس النقاب، فإما أن يكون ذلك أنها متدينة وقعت ضحية قبضة يهودي دلّس على أبيها حين خطبها، وما أكثر خطأ الآباء في ذلك، أو أنه يأمرها بذلك للمبالغة في إخفاء نسـبه اليهودي، وإذا تأيدت هذه التحقيقات من جهة أخرى أو بوثائق: فمعنى ذلك أن المؤامرة كبيرة جداً، ولكن مما يشهد لها أن حامد العلي نقل في التويـترات أنّ مجلة ميدل إيـست مونـيـتور قالت إن السفير الإسرائيلي لدى القاهرة يعقوب أَميتاي قال: (شعبنا يرى السـيـسي بطلاً قومياً عند اليهود)، فالتدقيق يرينا القرينة، وهي قوله: قومياً، وليس بطلاً فقط، وقوله عند اليهود، وليس في إسرائيل، فالصيغة تـشـير إلى أنه يهودي.
        الوجه الصحراوي والخليجي للا نـقلاب
  استولى الفزع على آل سعود وآل نهيان حين تحررت بلدان الربيع العربي من طواغيتها، والسـبب أنهما كانا يـشعران بالأمن من التغيـيـر لوجود حارس لهما من الشمال بمصر اسمه مبارك، وحارس من جهة الجنوب في اليمن متمثل بعلي صالح، فلما زالا وتصدرت القوى الثورية في البلدين شعرت العروش بالحرج، وأنها حوصرت وفقدت النصير الحامي، فكان لابد من الدفاع عن النفس وخلع الأحرار ورصد كل الوارد النفطي لشراء الذمم الوضيعة وتحريكها، وقد فعلوها بمصر، ثم يأتي الدور على اليمن بعد قليل، وبدأت مساعداتهما السخية تصل إلى الحوثي والجفري الرافضيان أعداء الأمس، وأصبحا أخلص الأصدقاء، والسعي حثـيـث لاصطناع أمثال الحوثي والجفري الذين هما رأس حربة الاختراق الإيراني للأمن العربي الاسـتـراتـيجي في الجنوب بعد حزب اللات اللبـناني الطائفي الذي يمثل الاختراق الإيراني للأمن العربي في الشمال والقلب.
· ولكن قبل اليمن: بدأ تحرش العميل الفلسطيني دخلان بغزة، منطلقاً من سيـناء بعدما شعرت الإمارات والملك بأن الأمر نجح في مصر، ولكن يقظة حماس أفشلت التحرش حتى الآن، وأغلب الظن أنه سـيعيد التحرش، ولكن غزة في موطن قوة بحمد الله، لأن سياق الأقدار الربانية يدخرها لتكون منطلق التحرير في المسـتقبل، فهي محروسة بحراسة الله وحفظ الرحمن سبحانه مهما كاد آل سعود، وفي الميدان السوري يتحالف آل سعود مع حزب اللات، وعاونوه في القصير، ثم هم يعاونوه الآن لاحتلال حمص، ولكن قنص المجاهدين لدبابات الأسد ولعناصر الحزب يزداد، لأن الله يريد ذلك، وكنتُ في شك منذ البداية من مغزى وجود فصيل سلفي في الجهاد السوري يقوده العميل ربيع المدخلي، إذ هو مشهور بانتمائه للمخابرات السعودية، وإذا بالأيام تكشف أنهم أرادوه أن يكون صاحب تأثير في الثورة ليحرفها في وقت لاحق، وكأن هذا الوقت قد حان الآن من خلال نزول أعداء الله من جبل عامل في لبنان حيث مقر حزب الخيانة الإيراني إلى الميدان السوري، وسـتـشهد الأيام القادمة محاربة الثلة السلفية المدخلية الشـبـيـهة بحزب النور لبقية المجاهدين في خندق واحد مع مردة حزب اللات، في حالةٍ أشـبه ما تكون بتورط القاعدة العراقية في سورية بقتل أحد قادة الجيش الحر على غرار ما فعلت في العراق من قتل أعيان المجاهدين من منظمتي الجيش الإسلامي وجامع، وكنت أقول ذلك وكتـبـته في كتابي "بوارق العراق" ثم في كتابي "أخبار عراقية" ولكن غير العراقيـيـن لم يصدقوني، حتى حصل مقتل القائد السوري قبل شهر، فانـتـبه الثقات بعد فوات الأوان، والتعليل: أن القاعدة العراقية مـخـتـرقة من قبل إيران، كمثل اختراق المخابرات السعودية لبعض الجهاد السوري عبر ربيع المدخلي والفصيل المشـبوه الذي يقاتل تحت إمرته، والمجاهدون بصورة عامة بحاجة إلى مزيد وعيٍ أمني وفِقهِ جرحٍ وتعديل كمثل حاجتهم إلى السلاح، وهو شعار لبـثـنا نردده حتى صحل صوتُنا، والبعض لا يعرف معنى النار مهما وَصَفتَها له، إلا أن تكوي جَمرتُها أنامِله ليـبدأ يتأمل ..!!
والتحذير من انحراف فصيل المدخلي وتـنـسـيقه مع الحزب الرافضي الطائفي صادر عن فضيلة الشيخ السلفي الكويتي حامد العلي، وليس مني، وهو خبير بأحوال الساحة السورية، ورأيت تحذيره من ذلك في التويـتـر يوم 16/7/2013، وهناك حدث يـشهد بصحة ذلك، إذ إن المخابرات السعودية اعتقلت الشيخ محسن العواجي والشيخ الطريفي لبضعة أيام، وهما الوحيدان من شيوخ المملكة اللذان حضرا مؤتمر الرئـيـس مرسي لنصرة الجهاد السوري ووافقا على فتوى أن القتال في سورية جهاد.
· ولو رجعنا إلى حال ثوار مصر، وثوار غزة، وثوار سوريا، وثوار اليمن: لأدركنا أنهم أبرياء من نوايا السوء، ولكن آل سعود وآل نهيان يفتعلان هذا التوتـيـر لصناعة عدو وهمي يُـسَوّغ بطشهما الداخلي لشعوبهما.
· وبدلاً من التحدث بنعمة الله، وبناء نهضة تـنموية للأُمة: راح آل سعود يصرفون المليارات على الإعلام المصري وعلى قناة العربـية لتـشويه سمعة الرئـيس مرسي بالباطل والافتراء، والتعاون مع أمريكا في إجهاض التطلعات التـنـموية المصرية، وهم يعلمون أن إسرائيل ماضية في نفس الطريق ونفس الهدف، وكما أن كره أميركا وتـميـيز خطرها صار شرطاً في قَبول المسلم عضواً في الدعوة، لنطمئن إلى أنه استوعب ووعى: فإن كراهية الملوك المتأمركين صارت شرطاً مكملاً، لنطمئن إلى أن الداعية عرف واستوعب خارطة مساره التغييري، والملك، بمصافحته التي أعلنها للانـقلابـيـين بعد ساعة من الانقلاب أصبح يـتحمل مسؤولية كل الدماء المصرية النـبـيلة الطاهرة التي سالت في شوارع القاهرة وغيرها، والقتل الذي سـيـتواصل بمصر وغزة، وجريمة قتل مائة شهيد وطفل في سوريا يومياً بسلاح النصيرية وحزب اللات وجيش المهدي والحرس الإيراني، ثم مسؤولية كل آهة سـيطلقها سجين في ليمان طره يـسومه السـيـسي أشنع العذاب، وما كان قد نجى من ملوك هذه الأسرة من الآثام سوى الملك فيصل آل سعود رحمه الله، فقد كان إلى الصدق أقرب، وأراد توحيد جهود الأمة، وقَطَعَ النفط عن أميركا والغرب، ولذلك اغتالوه سنة 1975، وكذلك لم تصدر عن الملك خالد أعمال عدوانية، ولكنه ما كان قوياً، فلعلّ الله يلطف به.
· وأما الإمارات فهي شريكة في كل ذلك أيضاً، ويتحمل محمد بن زايد كِبْرَ الفتـنـة، لأن الإمارات تفعل ما تفعل بمصر لا كجريمة سياسية فقط، بل بـنظر مصلحي اقتصاديٍ حاسدٍ أيضاً، وذلك أن مشروع قناة السويس الذي أدرجه الرئـيس مرسي على رأس خُطته التـنموية كان سـيغدق على مصر مائة مليار دولار سنوياً، ويوفر مليون وظيفة للمصريـين، ولكن الإمارات شعرت أن هذا المشروع سـيوجه ضربة لمنطقة جبل علي الحرة في دبي ويجعلها صفراً وتـنـتهي أدوارها، ولذلك دافعت عن نفسها بإزاحة مرسي، وصدر قرار الانقلابـيـين بإلغاء مشروع القناة بعد أسبوع واحد من الانقلاب، وارتضى أغنياء الصحراء أن يزدادوا غنى على حساب فقراء مصر وازديادهم فقراً، ولذلك فإن آل نهيان يتحملون وزر كل جائع سيكون بمصر، أو مريض لا يجد الدواء، أو مشرّد لا يجد المسكن، بما كان منهم من ضرب الطموحات التـنـموية المصرية، وشعب مصر مدعو إلى أن يفقه هذه المؤامرة التي تجري ضده، وأن لا يـسـتمر في الغفلة، وأن يدرك جريمة الإعلاميـين المصريـين والعسكريـين التي أوصلته إلى طريق مسدود، وأن يفهم أن مرسي والإخوان والإسلاميـين ونبلاء مصر أرادوا له الخير والنهضة وسد الحاجات والشبع والدواء والكساء والمسكن ولكن آل نهيان وآل سعود منعا ذلك عنهم، وشاركهم آل الصباح ببعض ما ارتكبوا، ولا يليق لشعب مصر أن يـسـتمر ساذجاً لا يدري أسرار اللعبة الأميركية الصحراوية الخليجية، بل الاسـتـيـقاظ أليق، ومعاودة الثورة أجدى، وخلع الحكم العسكري هو الشرط الضروري الذي تــتجانس به مسيرة مصر مع مسـيرات الأمم في زمن الحرية التي عمّت كل العالم سوى مصر بـسبب حرص أميركا على تحقيق أمن إسرائيل من خلال سجن مصر وتكبيلها وتسليط زمرة الفساد عليها وإرجاعها ستين سنة إلى الوراء.
وهذا التحليل الذي يذهب إلى أن مشروع المنطقة التجارية الحُرة بجانب قناة السويس سيلغي دَور منطقة دبي: ليس هو تحليلي، وإنما هو قول كبير فلاسفة اللغة في العالم الأميركي نعوم جومسكي، الذي يـتميز بوعي سياسي كامل ويـسـتعين بمجموعة من كبار المتخصصين، والذي عرفنا دأبه مراراً في فضح السياستـين الأميركية والإسرائـيـلية وبيان انحرافهما وعدوانـيـتهما، وقد نشر أكثر من دراسة عن الانقلاب المصري وفساد الإعلام الذي شارك في الجريمة، وسنورد نصوصاً من كلامه كملحق لهذا الكتاب في آخره.
· ولا نجد مثلاً للسوء الذي ارتكبته المجموعة الخاسرة أبلغ من قول الإمام المجاهد الزاهد عبد الله بن المبارك قبل 1253 سنة في ديوانه الذي حققه د.مجاهد مصطفى بهجت/115:
وهل أفسد الدينَ إلّا الملوكُ             وأحبــــــارُ سُـــــوءٍ ورُهبانـــــها
وبـــــاعوا النفوسَ فلم يربـحوا             ولم تَغْلُ في البيع أثـمانــها
فالتاريخ يعيد نفسه، وما درى الملوك أن أميركا ستضحي بهم أيضاً إذا اقتضت مصالحها ذلك، كما ضحّت بآخرين من قبلهم. والأحبار والرهبان في أُمتنا هم هؤلاء علماء السوء المنـتـشرون في الصحراء، ووعاظ السلاطين، ويمثلهم حزب النور بمصر وشيخ الأزهر، وأصدق كلمة قيلت فيهم: كلمة حامد العلي في التويتر، إذ قال: انتهى عقد اسـتـئجار اللحى، وقد أقصى السـيـسي لحى حزب النور من الوزارة، فصاروا يـتحدثون عن (الإقصاء المتـعمد).! ولماذا الغضب وقد أخذتم أُجرتكم قبل أن يجفّ عرقكم ؟
· ومن أبشع ما روّجته اللحى الصحراوية وقذفته في قلوب البـسطاء من رعايا المملكة قولهم: ولي الأمر ما قصّر ونحن بخير فلا تـتدخلوا في شأننا، وبعض بدو الإمارات يقولون مثل ذلك أيضاً بـتلقين من المصلحيـين، وهذا قول باطل وفيه أنانية وقصور عن إدراك الفكر السياسي، فلو فرضنا أن الملك والأمير لم يقصرا في حق المواطنـين من ناحية توفير المال والخدمات لوفرة وارد النفظ الذي هو هبة من الله تعالى محضة لا دور لمهارتهم فيه: فهل قاما بالوفاء بحقوق الأمة الإسلامية ونُصرة قضاياها ؟ وهل من العدل أن يـسـتعمل فضلة المال لحرمان الشعب المصري من التـنـمية وتطوير موارده لمجرد وَهْمٍ يتخوفون معه من عدوان حكومة مصر الثورية على أمنهم ؟ العاقل يدرك وجود تقصير وتـنـسـيق مع الخطط الاسـتعمارية الأميركية ووجود لين مع العدو اليهودي وإصرار على السلم معه دون الجهاد، ومن ذلك إسنادهم للحكومة الفلسطيـنـية اللينة التي تـتخاذل زيادة ..! فهناك تقصير إذا فكّر المواطن باسـتحضار القِيَم الإسلامية، والذي يـسـتحضر القيمة المالية فقط ولا يـقيـس بموازين الإيمان وقواعد الفكر السياسي يقول بعدم التقصير، وهذا من قلة التقوى مهما رأينا قائل (الشيوخ ما قصروا) يركع ويسجد، ومن ضعف فقه التديُّن، وفيه قرينة على استقرار شهوة حُب المال في جذور القلوب، مما هو مذموم في كل الأديان والفلسفات وليس في الإسلام فقط، وهو من بقية جاهلية البداوة الأعرابـية وما فيها من (حـمـِيّة) عابها القرآن الكريم، وكان هؤلاء البدو أنفسهم قبل زمن النفط يجمعهم الشيخ ويُغِيرُ بهم على قبيلة أخرى من الأعراب من أبناء عمومتهم فيقتل رُعاتَهَم ويأخذ أموالهم من إبل وأغنام ويوزعها على أصحابه ويعتـبرونها غنـيـمة حرب وحلالاً زلالاً، ثم يقولون (والله الشيخ ما قصّر، غزا بنا وأغنانا بالغنـيمة)، واليوم غزا مالُه النفطي قبائل الإحرار بمصر، وأورث قبيلته غنيمة من نوع جديد، فحواها: الأمن من تـسـرّب المثال المصري في تجربة الحرية إلى أحرار الصحراء فـيـتـخذوه قدوة في وقت اهتـزاز العروش، فسجن أبناءهم الذين تخرجوا من هارفرد وأرقى الجامعات العالمية وهذبـتـهم التـربـيـة الدعوية ونفضت عن أرديـتهم غبار الجاهلية، ومع ذلك يقول الآباء والأقرباء: (والله الشيخ ما قصّر) وما ذاك إلا بـسبب ما حصل لهم من رواء حين أجلسهم يـشـربون من نهر النفط، فأنساهم ذكر القواعد الإيمانـية وفقه الحلال والحرام. وفي الجزء الأول من كتاب (تاريخ الوزارات العراقية) أورد مؤلفه عبد الرزاق الحـسـني عشرات البيانات للحكومة العراقية في العشـرينات من القرن العشرين تـتحدث عن غارات قبائل المطير النجدية بأمر ابن سعود على قبائل البدو في بادية العراق واسـتـيـاقهم لجِمالهم وأغنامهم. وحين سـجنـتُ في (أبو ظبي) سـنـتـين أبى (أبو صالح) مدير مخابرات أبو ظبي الذي حقق معي إلا أن يكون تلميذاً لي، فعقدت له دورة بأمره لمدة شـهرين علّمته فيها ما لا يعلم من تاريخ العراق والخليج والدولة العثـمانية والحربـيـن العالميـتـين وما بعدهما، فروى لي بالمقابل بعض تاريخ الإمارات، وبطولات زايد حين كان يصحب أباه في الغزوات على قبائل الأزد الأخرى في المنطقة وكثرة غنائمه من الإبل واغتـناء اتـباعه، وأبناء أولئك هم الذين يقولون اليوم بعد غزو قبـيـلة الحرية بمصر: (والله الشيوخ ما قصروا) ..!! وهؤلاء أصحاب المواقع المخابراتـية وتغريدات التويتر: راشد بن سـيف، وأم عبد الرحمن، والفلاسي: هم من أبناء أولئك الغزاة، فلا عجب أن يكونوا حيث يكون الشيوخ.

        الوجه الشيعي والإيراني الشعوبي للا نـقلاب
  وإيران شريكة في الجريمة، وهي التي قامت بتـسـخير جهود كل الشيعة العرب ضد مرسي، وتدفعها إلى ذلك ثلاثةُ أسباب:
· السبب الأول: أن يقظة مصر الإسلامية هي يقظة سُـنـية، وسـتؤدي إلى إبراز مثال رائع للدولة الإسلامية السُـنـية تضمحل أمامها صورة الدولة الخميـنـية الشـيعية البدعية الشعوبـية الكارهة للعرب، وسـتـنـشر دولتنا بواسطة مناهجها التربوية المدرسية ومناهجها الإعلامية وعياً إسلامياً صافياً وفقهاً وتفسـيراً صحيحاً للتاريخ الإسلامي تـبـثه في كل العالم سيكون سدّاً مانعاً من تأثر عامة المسلمين بالبدعة الشـيعية التي تحرص إيران اليوم على ترويجها في العالم، وسـيقوم التفسـير الصحيح للتاريخ بكشف التـشويهات الشعوبـية الكارهة للعرب، وهذه التـشويهات تـتعمدها إيران والأحزاب الطائفية وتروج لها، لأنها تزوير يخدم الابتداع، كما أن التحالف الذي سـيقوم بـين الدولة المصرية الحرة وتركيا سـيـنـتج عنه قيام كيان سـني عربي عثماني قوي يحطم التطلعات الصفوية الإيرانـية الطموحة التي تريد اختراق الأمن الاسـتراتـيجي العربي والإسلامي لتكون هي الدولة القيادية في المنطقة، وهذا الاختراق قد حصل ونجح في مرحلته الأولى بزرع حزب الله في لبنان، وتـثـبـيــت الحكم النصيري في سورية، وإحداث ثورات رافضية في اليمن، واحتلال موطئ قدم بمصر، إضافة إلى إسنادها الكبير للأحزاب الطائفية العراقية وتـثـبـيـت الحكم الطائفي في العراق، ونجاح مرسي والتجربة الإسلامية المصرية سـيعني إلغاء كل ذلك عاجلاً أو آجلاً وعودة إيران إلى مربعها الأول المتواضع داخل إيران، بل وسـيعني حث التيار الإصلاحي في إيران على العمل والانـتفاض على النظام الخميـني، ولذلك كان صعود نجم الإخوان والإسلاميـين بمصر هو أخطر التحديات التي تواجهها إيران الخميـنـية، مع أن الكثير من دعاة الإخوان أنفسهم لا يدركون ذلك تماماً، لطيبة قلوبهم وغلبة معنى الأخوة الإسلامية عليهم، مما جعلهم يظنون أن إيران يمكن أن تـتحالف معهم، بـيـنما كانت إيران تـنـتقي كمال الهلباوي من بين الإخوان، وتغريه، وتحرص على إعداده للقيام بانقلاب على حركة الإخوان من خلال إنزال الهلباوي بالبارشوت على الأوساط القيادية للإخوان محملاً بالأموال والتدليـسات، ولكن وعي الأستاذ المرشد ومكتب الإرشاد كان وافراً بحمد الله، واجتـثـت هذه العملية الانقلابـية البائسة من أصله بفصل الهلباوي، ورعت عين الله الجماعة، ومع ذلك اسـتمر الهلباوي في ضلالته، وكشفت كاميرا بعض الفضائيات مشاركته في انقلاب السـيـسي وجلوسه مع أقطاب المؤامرة ومـمثلي حركة (تـمرد)، وكان حريصاً على إخفاء حضوره، ولكن الكاميرا كشفته لحظة واحدة عن غير عمد، ورآه بعض الإخوان، فعرفنا أنه منحرف تماماً وباع أصحاب الأمس النجباء والتحق بالنكرات، والمصيـبة أنه يزعم أنه لم يأخذ مالاً على ذلك، ولو أخذ لتأولنا له بـسـبب فقره، ولكنه الضلال.
· السبب الثاني: ما فعله مرسي من تصعيد حملة إسناد الجهاد السوري، وانعقاد المؤتمر الإسلامي لنصرة سورية، وإفتاء القرضاوي والعلماء بتطوع المسلمين للمشاركة في الجهاد السوري، وسعي مرسي لنقل بعض السلاح المصري إلى المجاهدين، فأغاظ ذلك إيران جداً، واغتاظت أميركا التي لا تريد انـتصار الثورة السورية، حتى قال قائد القوات الأميركية "ديمسـبـي" إنه يتوقع استمرار القتال في سورية عشر سنوات أخرى، وكيف لا يغيظ ذلك إيران وحرسها الثوري هو الذي يحمل على عاتقه ثقل المعركة هناك مسـتعيـنا بجنود حزب اللات وجيش المهدي وعموم المليـشـيات الطائفية العراقية والبحريـنـية واليمنـية والباكسـتانـية والأفغانـية ؟ وإيران تدرك أن نجاحها في حيازة سورية واستمرارها هناك سـيعني انهيار كل جدران الأمن الاسـتراتـيجي العربي، ومن هنا فإن ما فعله السـيـسي والبرادعي وعمرو موسى وحزب النور وعبد المنعم أبو الفتوح والهلباوي وعصابة الإعلام المصري يعتـبر ليـس أكبر جريـمة في تاريخ الإسلام المعاصر بل وأكبر جريمة في حق الأمن الاستراتـيجي للأمة، وصاروا مع الأقباط ثم مع إيران في خندق واحد.
· السبب الثالث: لأن مرسي لم يخنع للإغراء الإيراني، فقد كشفت لي مصادر موثوقة قريبة منه أن إيران عرضت على مرسي إسناد خطته التـنموية بثلاثين مليار دولار فوراً إذا أعطاها المشاهد والآثار الفاطمية بمصر، لتجعلها مزارات ونقطة انطلاق لتشـيـيع كل مصر، مثل مسجد سـيدنا الحسـين، والسـيدة زيـنـب، وآثار أخرى، وجعل التـشـيع مذهباً خامساً يكون تدريـسه في الأزهر الفاطمي بنظرهم كمثل تدريس المذاهب الأربعة، وفي العَرض إغراء بالتكفل بخمسة ملايين زائر شـيعي إيراني وعربي ومن كل العالم يضاعفون دخل السـياحة المصرية، فرفض الرئـيس القرآني البطل الواعي هذا الإغراء، وانـتفض، وأدرك خطر البدعة على المجتمع المصري السنـي، وخطر الفساد الذي سـيعم مصر باسم (المتعة) الجائزة في مذهب الشيعة واحتمال كثرة القحاب اللواتي سيمارسنها مع المصريين إذا أتين سائحات زائرات للمَشاهد الفاطمية ومتمتعات، وكان هذا الرفض الجازم من مرسي هو أكبر أعماله الشرعية التي سيلقى بها الله، ودلّل بذلك على وعيه العقائدي والتاريخي والسياسي والأمني، ولذلك بذلت إيران كل طاقاتها من أجل إسناد الانقلاب الإجرامي، ولو كان حزب النور صادقاً في سلفيته لكفته هذه الفعلة من مرسي ضد القبورية والبدع، ولكنه حزب عميل مصطنع لتشويه صورة السلفية الحقة.
  ولفهم أسرار التصرف الشيعي والإيراني ضد مرسي وأحرار مصر: لابد أن نضع جانباً أحداث هذه الأيام ونرجع إلى الوراء خمساً وثلاثين سنة وأكثر لندرك وجود حلف استراتيجي بين أميركا والشيعة، أطلق فكرتَه وأبدعه نيكسون في مذكراته المترجمة إلى العربية والتي كتبها آخر عمره بعد انتهاء رئاسته ومغادرته البيت الأبيض، فقد قال فيها بصراحة إنه على يقين من أنه هو ورؤساء أميركا الذين سبقوه لم يفطنوا إلى أهمية الخلاف الشيعي لأهل السنة، ودعا الرؤساء الذين يأتون من بعده أن لا يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه هو والذين من قبله، وأن يستثمروا الخلاف الشيعي لتعزيز المصلحة الأميركية العليا وببعد عميق استراتيجي المدى، فكان أول نتائج هذه الصيحة التي أطلقها نيكسون: تأييد الخميني في ثورته على الشاه، أو بكلام أدق: إن أميركا حين رأت شاه إيران يستبد به الغرور والطموح ويتوجه لاحتلال منابع النفط في الخليج على ما رأيناه من صدام فيما بعد في قصة الكويت: نصحت أميركا هذا الشاه الذي بدأ يصدق أنه ملك الملوك وأنه "كورش" الثاني وباعث الكسروية الجديدة، وقد أقام وليمة غداء لملوك ورؤساء العالم بين الآثار الكسروية القديمة وقدّم لها باستعراض تمثيلي تاريخي يروي أمجاد كورش وأنوشروان، غير أن الشاه رفض النصيحة وقرر جازماً احتلال الخليج، فعاجلته أميركا بالاتصال بالخميني المعارض للشاه، وأمدته بالأموال والخبرة والإسناد الإعلامي، وخططت له ثورته، وأوكلت إلى فرنسا معاونته في ذلك، فكانت الثورة، وحين حصدت رشاشات جيش الشاه ألوف المتظاهرين: سرعان ما انتقل قائد الحلف الأطلسي إلى طهران، ومنع الشاه من استعمال القوة بتاتاً، وحجز الجيشَ عن ضرب الثوار، وتكلم بذلك في التلفزيون علانية، ورأيناه جهاراً نهاراً يقف في صف الثورة، فانهار حكم الشاه وجاء الخميني، وقام منذ ذلك الموسم حلف أميركي إيراني، تطور إلى حلف أميركي مع كل التشيع في العالم، واليوم ترعى أميركا الطائفة الشيعية في أفغانستان رعاية تامة، وقامت بتمكينها من احتلال مواقع مهمة في السلطة والشرطة والجيش، ثم هي اليوم تسعى لتمكين شيعة أفغانستان من السيطرة على التجارة والأموال، وروى لي الثقات قصصاً عجيبة في ذلك، وفي باكستان لها عمل مثيل، ومن علاماته اهتمام الإعلام الإميركي والعالمي بالمظالم المزعومة على الشيعة هناك. بينما يطمسون تعديات الشيعة على أهل السنة، وفي البحرين: طرد الملك السفير الأميركي حين جاءه يبحث معه أمر المظاهرات الشيعية، وقال له: كل هذا من صنعكم وبتحريضكم، وهذه الحادثة نقلها الإعلام الحكومي البحريني نفسه. وأما في العراق فإن القصة مفضوحة لكل عراقي، مُذ طلب عبد العزيز الحكيم خلوة دقيقتين بالرئيس بوش حين زاره وقد المعارضة العراقية ليحثه على احتلال العراق، فلما اختليا قال الحكيم لبوش: إذا قُمتَ بتمكين الشيعة من الحكم في العراق إذا احتللتها: فإن الشيعة على استعداد لطاعة كل أوامركم وتنفيذ كل خططكم والانحياز التام مائة بالمائة لكم. روى ذلك قائد القوات الأميركية في مذكراته، وذلك ما كان فعلاً، إذ لم تستطع أميركا أن تحتل العراق إلا بمعونة المخابرات الإيرانية والجيش الإيراني وفتوى السيستاني للجنود الشيعة بالاستسلام وإلقاء السلاح، وقام تعاون بعد الاحتلال مع الأحزاب الطائفية العراقية كلها، وسلمت أميركا الحكم والجيش والشرطة والمخابرات والتجارة وكل صغير وكبير إلى الشيعة، ومازالت ترعاهم، وقاموا بشكر أميركا من خلال وقوف مليشياتهم ضد نشاط الجهاد العراقي المجيد، وجيش المهدي وفيلق بدر بخاصة، وشرحتُ كل ذلك في كتاب (بوارق العراق) ثم في كتاب (أخبار عراقية)، وكانت أول أصداء نجاح التحالف الأميركي الشيعي في العراق أن شيعة الأحساء والقطيف في المنطقة الشرقية من مملكة آل سعود تولّد عندهم طموح، فأولموا وليمة غداء فخمة للقنصل الأميركي في مدينة الدمام في بيت أحد  كبار رجال الأعمال، واشتكى خمسة من كبار قادة التشيع هناك إلى القنصل مما يقع عليهم من ظلم آل سعود، وطلبوا من القنصل أن يطلب من حكومته احتلال المملكة على غرار احتلال العراق، وأن الشيعة عند ذاك سيعاونون في هذا الاحتلال مقابل تمكينهم ونقل الحكم لهم، فرفع القنصل تقريره، فكان مما سرقه ويكليكس من وثائق خطيرة، ونشره، وأعاد أحد الصحفيين في الرياض نشره مع صور العمائم التي اجتمعت مع القنصل، فتأمل. وأما فضيحة أميركا في سورية فإنها أكبر، وهي التي تمنع سقوط النصيرية، وأخبرني الثقات أن الحدود التركية السورية عليها ضباط من المخابرات الأميركية مهمتهم منع وصول السلاح المتطور إلى الثوار.
  وقد اجتمعت قرائن كثيرة مفادها يؤيد اتهامنا لإيران والشيعة بالوقوف مع الانقلاب البائس بمصر. منها:
· أن حمدين صباحي أرسل بعض أنصاره إلى لبنان فدربهم حزب الله ورجعوا ليكونوا مليشيا ناصرية تضرب مظاهرات الإخوان، وربما سيوجههم لأنواع أخرى من التخريب والعدوان في المستقبل.
· وأن محمد حسنين هيكل كتب مقالاً قبيل الانقلاب يمتدح حزب الله ويسوغ أفعاله في سورية، وتداولت مواقع الفيس بوك مقاله.
· وأن زوجة البرادعي إيرانية شيعية أخوها يلبس العمامة السوداء ويروج للخمينية، وبسبب ذلك صرح البرادعي بعد انقلاب السـيـسي بأنه حريص على التعاون مع إيران.
· وأن المهندس محمد عوض رئيس حركة (تـمرّد) التي مهدت للانـقلاب هو صديق لحسن نصر الله زعيم حزب الله ومقرّب جداً منه ويستشيره في كل خطواته الانقلابية.
· وأن المالكي الرافضي رئيس وزراء العراق، والحكيم رئيس حزب المجلس الأعلى الطائفي وزعيم فيلق بدر الإرهابي أيدا الانقلاب فور وقوعه وبحماسة، وكذلك إياد علاوي رئيس وزراء العراق الأسبق الذي هو طائفي وإيراني الأصل وأميركي الارتباط، مهما حاول الاقتراب من أهل السنة وانخدع بعضهم به.
· وكذلك الكويتي الشيعي المعمم المقيم بلندن المسمى ياسر الحبيب، أيد الانقلاب بقوة، وهو أقبح طائفي في الخليج، وبرامجه في الفضائيات الشيعية يسب فيها الصحابة جهاراً، ويجهر بتكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويتهم أم المؤمنين عائشة بالزنا، وسمعته بنفسي يتلفظ بذلك، وعندي الفيديو.
· وحتى خاتمي أحدة قادة تيار الإصلاح بإيران تورط بذلك وأيد الانقلاب وزعم أن مرسي ارتكب الأخطاء التي تسوّغ الانقلاب عليه، وكان خاتمي رئيساً لجمهورية إيران، وكنا نحسن به الظن، ولكن يبدو أن فيه بقية من الطائفية مع الأسف، أساءت إلى سمعة التيار الإصلاحي الذي نؤيده، والذي يقلل من أثر هذا الخطأ أن عناصر مهمة في التيار الإصلاحي رفضت الانقلاب، منهم عباس عبدي، كتب دفاعاً عن مرسي، وقال: أخبرونا كيف استبد ؟. ومنهم: محمود ما شاء الله شمس الواعظين كابتن الإعلاميين، وبالفارسية: (سَردبير)، وقد كتب مدافعاً عن مرسي وقال إنه يدير جهود عشرات الألوف من المختصين والخبراء لتوليد تنمية تتطور بها مصر إلى دولة قوية، ولذلك انقلبوا عليه. ومنهم مير محمود موسوي، إصلاحي أيضاً، وهو أخو رئيس الوزراء السجين حسين موسوي زعيم الإصلاحيين، وكذلك حسين نقّاشي، وهو قريب من الإصلاحيين ومن خبراء القانون الكبار وامتدح الدستور الذي أصدره مرسي.
· ولو أضفنا إلى هذه الأحداث حقيقة التساؤل المهم الذي أثار استغراب الإعلامي المشهور في الجزيرة فيصل القاسم فقال: أليس من حقنا أن نعرف لماذا لا يوجد شيعي واحد في معتقل غوانتنامو الأميركي وأن جميع المعتقلين هم من أهل السنة، مع إن إيران وفصائل الشيعة تتظاهر بعداوة أميركا وتلعنها ؟ والجواب واضح، وأن أقوال الخمينيين والصدريين والنصيريين كلها رياءٌ وذرٌ للرماد في العيون لإخفاء تحالفهم الاستراتيجي مع أميركا ..!
        الوجه الإسلامي المز  يـّـف للا نـقلاب
  قد قلنا أن الزاهد المجاهد عبد الله بن المبارك قد رصدت تجربتُه الزكية أن الذي أفسد الدين ليس الملوك فقط، بل (وأحبار سُوءٍ ورهبانُها) أيضاً، وهؤلاء يوجدون في كل العصور، لأنهم من تمام الصورة، فطالما أن هناك ملك يجلس على أكوام ذهب ويدفع: فإن بعض النفعيين تُحدثهم أنفُسهم أن يطيلوا لحاهم ويلبسوا العمائم ثم يكون جلوسهم في السوق السياسي، فإن احتاجهم ملك أو متسلط ظالم يـبغيان تجميل الصورة وإيهام عامة المتدينين بأنهما من أنصار الدين: سارعت الرهبان إلى تصديقهما والشهادة بشهادة زور أنهما يريدان وجه الله، وتعفّف ابن المبارك وأنِفَ أن يسميهم بالمشايخ أو الفقهاء، وإنما هم رهبانٌ وأحبارٌ مسلمون فيما يزعمون، وهي شتيمة كبرى دائمة من أكبر زهاد الأمة الإسلامية وجّهها لكل أخرق ممسوخ الضمير لا يأمر بالمعروف في موطن الحاجة للأمر ويهبط بالفتوى من مدارها العزيز الرفيع إلى دَرَكٍ سافلٍ ويجعلها تُسبّح بحمد الطاغية والحرامية.
· وقد ظهر في هذه الفتنة اليهودية الأميركية الرافضية مَجْمعٌ من الرهبان أصحاب اللحى الطويلة أطلقوا على أنفسهم اسم "حزب النور" السلفي العقيدة والفقه بزعمهم، فشاركوا في ساحة التحرير بأنفسهم وأتباعهم، وهتفوا بسقوط الرئيس مرسي، واستنجدوا بالجيش والسيسي، وقبضوا عن فعلتهم من ملك آل سعود مائة وخمسين مليون دولاراً  كما تسربت الأنباء، وأفتوا بأن المصلحة الإسلامية تقتضي خلع رئيس قرآني الهدي والسمت، وتنصيب يهودي بدلاً عنه، فلا نامت أعين اللاعبين بالمعنى السلفي الشريف.
وقد سارع إلى الرد عليهم والبراءة من فعلتهم الداعية السلفي المعروف عبد الرحمن عبد الخالق اليوسف، كما رد عليهم وفند تزويرهم داعية سلفي آخر من أهل مكة وجدّة اسمه الشيخ علوي السقاف، فجزاهما الله خيراً عن نطقهما بالحق، ووضعتُ كلامهما كوثائق ملحقة بهذا الكتاب لأهميتها.
وكان الأستاذ محمد فريد عبد الخالق رحمه الله قد قال لي قبل ربع قرن أنه وفريق من الثقات رصدوا أصل هذه الجماعة السلفية حين أول ظهورها في الحياة الإسلامية المصرية، فثبت عندهم إلى درجة اليقين بالأدلة أن مخابرات مبارك ترعاهم وتريدهم شوكة في جنب الإخوان، وأن ضابطَ مخابراتٍ صار هو نائب رئيس المجموعة وصار هو الموجّه الحقيقي للمجموعة، وأن هناك دلائل على صلة بالمخابرات السعودية أيضاً. وقد تطورت تلك الحفنة التي كان العُرف يسميها "شِلّة" إلى اسم فخم وصارت هي "حزب النور" أظلمَ اللهُ دَربَهم بالظلام الدامس، وحين قامت ثورة 25 يناير أفتى الحزب بحرمة الخروج على حكم أمير المؤمنين مبارك، ووقف خطباؤهم ضد الثنورة بحماسة بالغة، ورأيت في التلفزيون نماذج من كلامهم يومذاك، ثم لما نحج الثوريون في خلع مبارك جاءتهم الأوامر من المخابرات السعودية، فأصبحوا مع الثورة في الظاهر، ولبثوا يطالبون بحصة في الحكم، فلما لمسوا فتوراً من مرسي تجاههم، بسبب سوابقهم: انقلبوا إلى صف أعدائه، واستأجر السيسي لحاهم أياماً ليحقق بهم التفوق، ثم نبذهم ولم يعطهم كرسياً ولا لقباً، فعادوا يولولون ويترنمون بترانيم الرهبان، وبعض أعضاء الحزب استيقظ من غفوته، وحصل له وعي متأخر، فأعلن انسحابه من الحزب، ولكن الشيخ الطريفي فكّ الله أسره قال: مَن اشترك في تضليل المسلمين أثناء فتنة السيسي: لن تتم توبته إلا بشرطين: أن يُصلح، أي يعمل عملاً صالحاً يجبر به السوء المتولد من فعلته السابقة، ثم أن يبين بصراحة حقيقة ما حصل ويكشف الأسرار المتجمعة عنده حول كل العملية الانقلابية وسبب تورطه، وذلك لقول الله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا) فالبيان شرط.
والحق يقال: أن المجموعات أخرى من السلفية كانت تقية واعية ملتزمة بإسناد الرئيس الشرعي مرسي، وعلى رأسهم الشيخ الثقة محمد حسّان، فقد نزل هو وأتباعه وشيوخ مجاميع سلفية أخرى وأتباعهم إلى الميادين في القاهرة وغيرها، وأظهروا ولاءهم لمرسي، جزاهم الله خيراً، بينما كان ياسر برهامي رئيس حزب النور يرتع في أرض الدولار والضلالة يداً بيد مع عُتاة الشيعة وعملاء إيران الخمينية إذ هو السلفي الذي يجب أن ينكر عليهم قُبوريتهم وبِدَعهم قبل ما نطلبه منه من إنكار موقفهم السياسي، ولكن هكذا تعليمات الشيخ الجامي الإفريقي راهب المخابرات السعودية.
· ومن أعجب قول برهامي هذا في بيانه: أنه وحزبه إنما ثاروا على مرسي لأنه لم يحكم بالشرع، فدلل على جهله، كأن الحكم بالشرع ممكن بين عشيةٍ وضحاها، غير ناظر إلى تشويش اقترفه العلمانيون وأتباع مبارك لم يُتح لمرسي أن يحم حتى بالعلمانية، وكأنّ الجيش الذي هتف له برهامي سيحكم بالشرع !! فسبحان الله كيف تمرض القلوب ثم يعميها الدولار.
  وكان شيخ الأزهر أحمد الطيّب غير طيبٍ وغير أحمد، فقد صار الراهب الثاني في العملية الانقلابية، وجلس خلف السيسي حين كان يتلو بيانه الانتخابي عن يسار السيسي وليس عن يمينه، واحتل اليمين كبير أساقفة النصارى البابا تواضروس بلباسه الرهباني الذهبي وتاجه، فدلّ الحال على أن الإمام الأكبر ما هو بأكبر، بل هو أصغر من أحبار الكنيسة، وهو الثاني والتابع والذيل، وكذلك هو شأن عمائم السوء الأزهرية مع الأسف، فقد رأينا قبله المواقف الذليلة للشيخ طنطاوي وإسناده لمبارك، وهما يصعدان بنسبهما الملوث إلى شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج الذي وافق سنة 1954 على ملفات إعدام الشهداء محمد فرغلي وعبد القادر عودة ويوسف طلعت وأصحابهم رحمهم الله على الرغم من علمه بأن عبد الناصر افتعل زوراً قضية محاولة اغتياله ليدخل الإخوان في محنة وموعظة الشيخ الثقة مفتي الديار المصرية محمد حسنين مخلوف للشيخ تاج أن يتعفّف عن ذلك، ولكن عالم السوء إذا كان لا يستحي من الله فكيف يستحي من عباد الله ؟
· واحتل منصب الموعظة في النكير على هذه الفتنة الجديدة شيخ عريق في العلم والصدق والصلاح، هو مستشار الأزهر فضيلة الشيخ حسن الشافعي زاده الله فصاحة في الحق، فقد أدى وبيّن، ووعظ واستوفى، وأنا أعرفه والتقيت به قديماً، كما رأيت الشيخ مخلوف وشافهته، وبين الاثنين تشابه في درجة العلم وبراءة الذات وحُسن المقال، وكلمة الشيخ حسن الشافعي التي أذاعها مصورة في الفضائيات كلمة طويلة جيدة صريحة اعتبرها وثيقة تاريخية مهمة ستنفع الأجيال اللاحقة وليس الجيل الحاضر فقط، ولذلك أصررت على إثباتها في آخر كتابي ضمن الملاحق، وأعانني بعض الإخوة على تدوينها مكتوبة، إذا هي صوتية، وله كلمة أخرى جيدة بعد مذبحة رابعة العدوية.
· وكذلك كانت مواقف كبار علماء الأزهر، وشيخ المقارئ المصرية الشيخ المعصراوي، فإنهم لزموا العفاف ولم يؤيدوا الانقلاب، بل وأنكر بعضهم علانية، وأصدروا فتوى جيدة ببطلان الانقلاب أُذيعت من مايكروفون العدوية ونقلتها قناة الجزيرة.
· وكتب الشيخ وجدي غنيم كلمة جيدة في النكير على شيخ الأزهر وأذاعها، ولكني لم أحصل على نصها كي أثبته في الملاحق، فليبحث عنها من يريد الاستقصاء، ولكني رأيت له فيديوات عديدة أجاد فيها بلسانٍ مبين.
· ولما اشتد النكير على الراهب: أعلن أن سيعتزل في بيته، ثم زعم أنه قد يستقيل، وكذب، واعتزاله لا يعالج السوء، بل التوبة هي العلاج، ومن تمام التوبة لمثله كما يقول الشيخ عبد العزيز الطريفي أن يبيّن تفاصيل الملابسات في القضية وكمية المبالغ التي استلمها عندما باع دِينَه، وذلك لقول الله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)، فالبيان شرط في توبة مثل هذه العمامة النتنة. ولكن أنّى يكون لمثل هؤلاء ضمير يستيقظ !! وكأني أنظر إلى المحاكمات الربانية يوم القيامة، فيأمر الله ملائكته أن تضرب وجوه علماء السوء، ثم يأذن لعبد الله بن المبارك بمثل ذلك، وهم صفٌ طويل على مدى التاريخ الإسلامي، فيصفع كل واحد منهم صفعة صفعة، إلّا راهبنا، فإنه يصفعه صفعتين ويقول له: شوّهت المنظر العلمي النقي الذي نحرص عيه ولوّثَك الدولار والريال والدرهم والدينار.!
  وثالث الرهبان الذين رسموا الوجه الإسلامي للانـقلاب: عبد المنعم أبو الفتوح، فقد أخطأ أولاً بانشقاقه عن الإخوان، ثم أخطأ ثانية بالترشيح للرئاسة ناحتاً من الأصوات الإسلامية بدل أن تذهب كلها للإخوان، ثم أخطأ ثالثة بالنزول هو وحزبه إلى ساحة التحرير وهتافه ضد مرسي والمعاونة في إسقاطه، جنباً إلى جنب مع عتاة العلمانيين والمخربين، ولا ندري إن كانت يده قد تلوثت بالدولار النفطي أم أنه قدمها خدمة مجانية ساذجة، ولكن ندري كما درى كل الناس أنهم أقصوه حين القسمة ولم يختاروه نائب رئيس أو وزير، وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أنهم فهموا أنهم عوضوه مالاً من قبل، فعاد يولول غاضباً على الشلّة الانقلابية، وهيهات جبر الفلتة منه.
· وقصة أبي الفتوح هي فصل في فقه الدعوة عنوانه: أن الله يحرس الدعوة إذا غفل الدعاة عن حراستها، فالموعظة فيها موجهة للدعاة ولا يكاد يفهمها من عامة الناس سوى القليل، وهي قصة عجيبة عندي فيها الدليل الكامل على أن عين الله تكلأ الدعوة وترعاها إذا كان الدعاة ضحية بعض البساطة ولا يجيدون فقه التوثيق والتضعيف ومفاد الجرح والتعديل، ويسترسلون مع العفوية وحسن الظن شِبرين زيادة. وذلك أن أبا الفتوح لم ينشأ مع الدعوة منذ شبابه الأول لتعجنه عجناً وتمحّضه تمحيضاً بالتربية العميقة، بل كان يعمل في الاتحادات الطلابية الإسلامية العامة، وهو نوع من النشاط عاطفي الأسلوب لا ينزل إلى القعر حيث مستوى التربية الزهدية والغوض في أعماق القرآن الكريم وموازينه، ولكن لما أفرج أنور السادات عن الإخوان وعادوا إلى الميدان كدعوة عريقة لها سمعتها وتاريخها النبيل ومكانتها الكبيرة: رأى بعض قادة العمل الطلابي في لحظة إيمانية أنهم كانوا رجال مرحلة صعبة مارسوا فيها الواجب الإسلامي عند غياب الدعوة، وأن الدعوة قد عادت ورجع قادتها إلى الميدان، ولذلك فإن الانتماء للدعوة أولى، فكان انتماء عبد المنعم وعصام العريان، وأبديا كفاءة لاحقة في عمل نقابة الأطباء، وهو عمل عام مساند في العمل الفكري التربوي الذي هو الأساس، ولكنه لا يرقى إلى درجة ربط القيادي الذي يعمل فيه بالموازين والقواعد الدعوية بنفس الدرجة التي يمنحها العمل التربوي، لأن العمل النقابي عمل جماهيري يغلب عليه الأداء العاطفي والنشاط الانتخابي وتوفير الخدمات للناس، وفيه سمعة ودعاية، وهنا استيقظ وتر داخلي في أعماق التكوين النفسي في عبد المنعم يُسمع منه لحن الزعامة والرئاسة، لأنه انتمى للدعوة وهو رئيس طلابي ولم يتدرج، ولم يلبث تابعاً في المؤخرة حتى تكتمل له صفات الجندية، بل افتقدها وانغرس فيه طموح، والعرف الدعوي يميل إلى الحذر من ذلك، ومراقبة صاحب الطموح، ولكن لا يمكن مصادمته إذا كان لابثاً مع الطاعة ولم يبدُ منه خلاف، فلما انتقلت الدعوة إلى مرحلتها السياسية التالية التي مارست فيها المشاركة في الانتخابات البرلمانية: زادت مساحة تحرك عبد المنعم، يحركه إيمان مخلوط بطموح، فلما حصلت ثورة 25 يناير، وانفتح مجال للترشيح لرئاسة مصر نَشَطَ الوَتَر داخل عبد المنعم ودعاه للتطلع، والقادة ينظرون لذلك بنظر عفوي تبسيطي، ولذلك كثر حديثهم عن احتمال قَبولهم أن يكون عبد المنعم هو مرشح الدعوة للرئاسة، وفضّلوه على خيرت الشاطر، ولم يتصاعد فهمهم إلى الدرجة التي يدركون بها سلبيات الطموح التي تزاحم دوافع الإيمان الدافعة لعبد المنعم، واسترسلوا في تبسيط المسألة المعقدة غاية التعقيد، فلما كاد الجو أن يخلو لعبد المنعم ويصفِر، والله لا يحب الطموح الشخصي: أمَرَ ملائكته أن تقذف في قلب عبد المنعم معنى مخالفة الجماعة إذا رأت اعتزال الانتخابات كُليةً، إذ كانت مترددة، فلما اتخذت قرارها بعدم اشتراك الجماعة في الانتخابات الرئاسية: خالفها عبد المنعم وانشق وأعلن أنه سيرشح نفسه، ولو كان صَبَر يومين آخرين لكان هو مرشح الجماعة إذا بدّلت قرارها وقررت المشاركة، ولكن الله يعلم ما لا نعلم، وحمى الدعوة من أخطاء عبد المنعم لو كان رئيساً، إذ إن منافسته للجماعة بعد ذلك وتصريحاته العدوانية ثم اشتراكه في الانقلاب العسكري هي دليل كامل على أنه لا يمثل النموذج الإخواني الصميمي، ولو كان استمر لصارت نكبة دعوية ولأصبح أول رئيس يمثل وجه الدعوة بنقصان ومزاجية ومصلحية، ولكن الله سلّم، وجعل أبا الفتوح ينشق حتى لا تفشل التجربة الدعوية السياسية، وهذا درس بليغ في جريان الأقدار وفي فقه الدعوة يجب أن يستوعبه كل قيادي دعوي وأن يتأمل فيه طويلاً ويقتبس العِبَر، وهي دعوته سبحانه، يحرسها إذا غفل الدعاة، وفي دعاء الصالحين قولهم: يا ناطر الغافلين.
ومن ملحقات قصة أبي الفتوح: أن رجلاً عاقلاً من المتحمسين لترويج كتبي، بل يحفظ نصوصاً منها: صار مدير الحملة الانتخابية له، واسمه أحمد محمد علي، وكان حريصاً على أن يلقّب بأنه: محمد أحمد الراشد المصري، أي النسخة المصرية مني، وحضر درساً لي في قطر، وأقام بعض الدورات التي اقتبس فيها المعاني من كتبي كما أخبرني، ثم لم يلتفت إلى النشاز في سياق قصة عبد المنعم، مع أن القارئ الجيد لكتبي أفترض فيه وعياً كافياً لقضية التوثيق وأعمال القلوب، ولذلك أرشحه إلى أن يتوب مما اقترف، ويُصلح ويُبيّن أسرار ما حصل.
· ولعلّ ما هو أعجب من قصة الأقدار الربانية التي أقصت أبا الفتوح عن الجماعة: قصة أقدار ربانية أخرى أقصت الأخ خيرت الشاطر عن الانتخابات الرئاسية، فقد كان هو مرشح الجماعة البديل عن عبد المنعم ليكون رئيس مصر، وهو أخ ثقة مخلص عفيف باذل صابر صاحب تضحية وتحديات للظلم، وجمع مائة صفة من صفات النبل، وملأ مكانه كنائب للأستاذ المرشد بجدارة ولياقة تامة، ولكن منصب رئاسة الجمهورية يحتاج وعياً سياسياً عالياً، وهذا الوعي مثلوم غير كامل عند خيرت، ولذلك منعه القدر الخيري الرباني من أن يكون رئيساً، في صورة اعتراض السلطة القضائية على ترشيحه، والدليل على حاجته لمزيد من وعي سياسي أن للانـقلاب الذي قاده السيسي سبعة وجوه أحدها شيعي إيراني، وكانت مشاغبات إيران معروفة ملموسة طوال السنَة ضد الدعوة بمصر، وهو يعلم قصة محاولة كمال الهلباوي قيادة انقلاب إيراني على الكيان القيادي الدعوي بمصر، والتي فشلت بحمد الله وقوته ومنته العظمى من خلال استدراك قيادي سريعٍ واعٍ، ومع كل هذا سعى الأخ خيرت بدوافع خيرية استثمارية إلى محاولة تأسيس شركة طيران خاصة لنقل خمسة ملايين إيراني شيعي سنوياً يريدون زيارة المقامات الفاطمية بمصر، مما ذكرناه سابقاً، وهو مدفوع بنية حسنة يبتغي من ورائها تحقيق أرباح إسلامية وإنعاش المورد السياحي المصري العام، ولكنه يغفل أولاً عن معنى تشجيع البدعة القبورية في ذلك، ثم البدعة الشعوبية الكارهة للعرب مما هو مكروه بإجماع أئمة الفقه والعقيدة، ثم ما في ثنايا ذلك ثالثاً من فرصة نشر التشيع بمصر ودقّ إسفين خلاف في مجتمع مصري مَنّ الله تعالى عليه بوحدة المذهب التي نتجت عنها وحدة اجتماعية هي ميزة فريدة للمجتمع المصري، ثم ما سيكون رابعا من فساد أخلاقي شيعي باسم المتعة في مجتمع مصري فقير يستطيع المال أن يكون عامل إغراء فيه، فإن بعض الزائرات سيبذلن أنفسهن للزنا بمصر باسم المتعة الحلال في مذهب الشيعة، بل التي تصرح عقائدهم بأنها قُربة إلى الله ويحشر مرتكبها مع الحسين في الجنة، ثم سيغري بعض الإيرانيين عفيفات مصر بأن يزني بهن بإغراء المال ومن خلال دعوتهم للتشيع، وكان الرئيس مرسي قد أمر بفض اجتماع شيعي لأحد دعاة الشيعة في قرية من القرى، فأصبحت قضية في الإعلام المضاد لمرسي، ثم تبين أنه ليس باجتماع عادي بل هو عرس لمائة متزوج وقتياً يستمتع على طريقة الشيعة، وكل ذلك مما غاب عن وعي أخي الحبيب الثقة خيرت الشاطر، وغلبه النظر الاستثماري المجرّد، وأرجو أن يتسع صدره وصدر إخواني قادة الدعوة لهذا النقد، فإن الخطأ يقال له خطأ.
· وارتضاها الله تعالى وادخرها لمرسي دعائم الخير ورئيسنا القرآني الواعي الشجاع المتجرد الزاهد بقية السلف الصالح، وعقيدتي: أن الأقدار الرانية هي التي رشحته، ويفهم ذلك معي من يفهم بعد التأمل العميق في أسرار القَدَرين السابقين الحاجبين لأبي الفتوح وخيرت الشاطر، ولذلك أنا موقن بأن الله سيحفظ هذا الرجل المؤمن النقي الجسور، وسيزول طغيان الانقلاب وتكون لمرسي وللدعوة عودةٌ قوية ولو بعد حين، وستكون التنمية، ويكون عِز مصر والأمة، وتصح مقولة المصريين: (مصر أُم الدنيا)، وتزول إسرائيل، ويكون انكفاء أميركا، ويرفل الناس بالخير في ظلال القرآن والإيمان.
        الوجه القبطي النصراني للا نـقلاب
  وكم أحسنَ الإخوان إلى الأقباط، واستجابوا لمشاعرهم، ولكنهم أنكروا. وكم رعاهم الرئيس مرسي وذهب إلى أبعد مما يطالبون به، فكانت منه المبادأة، ونصّ في الدستور على حقهم في التقاضي عند كنائسهم في أحوالهم الدينية والشخصية الاجتماعية، ولكنهم لم يشكروا، واصطف معظمهم في صف أعداء مرسي مع الأسف وأظهروا الشماتة وموّلوا الانقلاب، وجحدوا الفضل الذي غمرهم به الإخوان، وإلى الله المشتكى، وما كان لهم أن يفعلوا ذلك، وكان الأجدر بهم أن ينظروا لعلاقتهم المستقبلية بالإخوان كحكام حتميين لمصر لاحقاً، ولكن الشيطان أغراهم وظنوا أن ارتماءهم في الحضن الأميركي اليهودي أجدى، وأخطأوا التقدير.
· نعم، ليسوا جميعاً كذلك، فقد برز هذه الأيام منهم الدكتور رفيق حبيب، وكتب الكثير، ودافع عن مرسي، وكشف خطر أسواء هذه اللعبة الأميركية التي تريد شراً بمصر وبالتنمية، ونشكره على صراحته، وكذلك وقفت امرأة قبطية في مظاهرات الإخوان فأدلت بشهادتها وأكدت تورط الجيش في المذبحة وأنها رأت ذلك، وتكررت شهادة من امرأة قبطية أخرى، وربما كان الكثير من عامة الأقباط البسطاء أصحاب المهن يكسبون رزقهم من خلال مخالطة المسلمين ولم يرتضوا العدوان، ولكننا نتكلم عن الرهبان والقيادات القبطية الكنسية الدينية ثم القيادات السياسية والمالية، فإنها كلها أظهرت البَطَر والاستعلاء والتبعية للأجنبي مع الأسف، وموّلت الانقلاب، وذلك ما صرّح به الملياردير رجل الأعمال القبطي المشهور (ساويرس) في الفضائيات مراراً، وتبجح بأنه أعطى شيكات مفتوحة للانـقلابيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وستكون عليه حسرة ونغلبه بحول الله.
· والموقف الرسمي للأقباط جسَّدَه بوضوح جلوس حَبْرهم الأعظم خلف السيسي عن يمينه عندما ألقى بيانه الانقلابي، ثم لما شكّل الرئيس الدمية لجنة وضع دستور انقلابي جديد: تقدمت الكنيسة بطلب رسمي بإلغاء مادة أن دين الدولة الإسلام، وهو ما يُعتبر تحرّشاً استفزازياً من طائفة نصرانية صغيرة الحجم بالأكثرة الساحقة المسلمة.
· وهذه المواقف ما هي بمفاجأة، فنحن نعلم أن الأقباط الذين هاجروا إلى أوروبا وأميركا واستراليا نالوا رعاية خاصة من الغرب، وأنشأوا لهم جمعيات خاصة، وصرفوا عليهم وعلى طلابهم، وغذوهم بمعاني الحقد الشديد على الإسلام وعلى مصر وعلى العرب، ونقل هؤلاء هذا الحقد إلى داخل مصر، فنشأ جيل جديد حاقد يختلف في تربيته وأخلاقه وارتباطاته عن الأجيال السابقة وتولّاه (البابا شنوده) وزاد حقده علّمه التحرش والعدوانية وصناعة التوترات وبثّ الأراجيف، ولعل عقلاء من الأقباط ينتبهون الآن إلى ضرر الشرخ الذي حدث فيحاولون الترميم ورأب الصدق ومقابلة سيئة ساويرس بحَسَنة، ونرشح رفيق حبيب وأمثاله لقيادة هذا الاستدراك الضروري.
        محاولات فهم، وتقارير جيدة، ومصادر حيادية تشرح الحَدَث
  كأي قضية في الحياة: لا يمكن لعناصر السوء أن تستبد تماماً بشرحها والتعريف بها، وينغلق الأمر على شرّ، بل لابد من أن يكون لأهل الخير مقال ودفاع عن المظلوم وبيان لوجوه الحقيقة، إذ هكذا خلق الله البشر، وفي التعبير القرآني الكريم: (لا يزالون مختلفين)، وأصرح من ذلك ما في آيات سورة البقرة التي تسبق آية الكرسي: (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا، فمنهم مَن آمن ومنهم مَن كفر، ولو شاء الله ما اقتتلوا، ولكنّ الله يفعل ما يريد) سبحانه، وله في ذلك حكمة لا ندركها سريعاً بل لاحقاً، وكما يكون في الانقسام من يؤمن ويقاتل الكفر: يكون مَن هو أقل منه، وهو الفرد يكون من الأمة الكافرة، لكنه يكون حيادياً وعادلاً ومسالماً وناطقاً بالحق ويشهد بما يرى ويعلم وينبذ شهادة الكذب والزور.
وهكذا تحصلت عندنا مجموعة من الدراسات والتصريحات الجيدة التي تتعلق بحادثة الانقلاب أو بالموقف من الإسلاميين عموماً، وليس تقرير معهد راند العدواني هو الوحيد، والذي استللت أهم فقراته وأوردتها كملحق لهذا الكتاب لمن يريد الدراسة المفصلة، وإنما هناك تقارير أُناس مسلمين من المصريين وغيرهم فيها عمق تحليل وصدق، وهناك تقارير أخرى لغربيين شرفاء التزموا الصدق والحيادية، فرأيت إ]رادها والاحتفاظ بها من الضياع، إلى حين نبوغ ثقة من الدعاة أو صادق أمين من عامة المسلمين، فيدرس الحادثة والتجربة السياسية الإسلامية المعاصرة بمصر وفق معايير البحث العلمية الجامعية ويصدر لنا كتاباً جامعاً يوثق فيه الأخبار وسياق الأحداث، فأكون بذلك قد وفّرت عليه نصف عمله. أي أن كتابي هذه الذي دونته على عجل بقصد موازاة الحدث إذ ما يزال حاراً قبل أن يبرد، ليكون فيه توجيه للدعاة يعلمهم كيف يسلكون في الظرف الصعب والمحيط المدلهم: هذا الكتاب وما فيه من تحليلات ومنهجية بحث وهندسة تأليفية يمكن أن يطوره باحث ذكي متفرغ غير مشغول مثلي، ويتمتع بشبابه وصحته غير مريض مثلي، ويصنع منه كتاباً واسعاً يشرح فيه ما اختصرت، ويوثق فيه ما رويت ونقلت، ويجرد الصحف والانترنيت وركام أقوال الإعلاميين في برامج الفضائيات الكثيرة من خلال التدقيق في أرشيفاتها، ثم يقتبس من الصور ما يزيد الوضوح، ويُنتج للأُمة كتاباً كبيراً جامعاً في تحليل التجربة والدروس المستفادة ويسرد سياق ما حدث بتفصيل وأمانة ولغة علمية بحثية ليست عاطفية إعلامية جنحت لها في بعض كلماتي بسبب حرارة الظرف وعُنف الصدمة النفسية التي سبّبها العدوان والجحود وكذب الزمرة الانقلابية، ومثل هذا الكتاب لو اكتمل فإن سيكون مصدراً رئيساً في تطوير وعي القيادات الدعوية والدعاة وعموم المخلصين، وسيكون خطوة في طريق رسوخ الحرية.
· أول هذه النصوص: مجموعة واسعة من المقالات الصحفية الأميركية والبريطانية، إذ إن هذه الصحف التزمت الحيادية وكانت مع الشرعية ولم تتورط في الأغلب في التزوير. فمن هذه الصحف: نيويورك تايمز التي قالت: إن الانقلاب على مرسي حدث لأنه منع أميركا من التدخل بمصر، وأن إعلانه الدستوري كان وسيلته الصحيحة لمنع قضاة عهد مبارك من مخططهم الانقلابي عليه. وكان عنوان غلاف مجلة تايم: أفضل المتظاهرين في العالم. وانحازت مجلة فورن أفيرس للشرعية بوضوح، وهي من أهم المجلات السياسية الأميركية في العالم. وكذا كانت جريدة الجارديان البريطانية مع الشرعية، وأصرح منها جريدة الديلي تلغراف البريطانية أيضاً، وجريدة شبيغل أون لاين الألمانية.
· وأصدر القسم الصحفي بجامعة كاليفورنيا تقريراً تفصيلياً مطولاً فيه تفاصيل الأموال الأميركية التي تحوّلت إلى محمد صفوت السادات لإحداث شَغَب، وإلى ضابط سابق بالشرطة المصرية يقيم في أميركا اسمه عفيفي، له عصابة واسعة داخل مصر، فزودوه بالأموال ليوزعها على أصحابه بمصر، وأورد التقرير تعليماته لزبانيته بتكسير أرجل الإخوان حتى لا يتحركوا. كما كشف التقرير عن تحويل مبالغ أميركية ضخمة إلى القبطي ساويرس ليكون واسطة إيصالها إلى الانقلابيين، وبذلك تبين كذب هذا الدعي الذي زعم أنها أمواله، بل هو بخيل، وإنما هو واسطة للمخابرات الأميركية لنقل المال. ولأهمية التقرير أثبتناه كوثيقة ملحقة بهذا الكتاب.
· وتقرير منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس) التابعة للأمم المتحدة تقرير واضح في إثبات مجزرة الحرس الجمهوري وأن الضحايا كانوا يصلون ولم يكن منهم هجوم، وأدانت الجيش والشرطة.
· وكتب الصحفي البريطاني المخضرم المختص بالسياسة العربية روبرت فيسك في صحيفة (الإندبندنت) البريطانية (أن السيسي هو الذي قاد البلاد إلى التظاهر من خلال قيادة المؤامرات وحماية الإعلاميين الذين ساندوا مبارك حتى اللحظات الأخيرة، وهم الذين حوّلوا مرسي إلى صورة شيطان سيذهب بالبلاد إلى الخراب)، وكتب مرة أخرى بعد اشتداد مظاهرات رابعة العدوية أن بعض العسكريين وضعوا خططاً للتضحية بالسيسي إذا انفجرت الأوضاع. ولهذا المحلل البريطاني تصريحات أخرى ومشاركات في الفضائيات، في الجزيرة وغيرها، وهو معروف بالعقلانية والجرأة في ذكر الوقائع الحقيقية ونقد بقايا التفكير الاستعماري الغربي، وله كتاب (الحرب على الحضارة) من ثلاثة أجزاء جمع فيه تقاريره التي انتصر فيها لقضايا فلسطين والعراق، وانتقد الأداء الأميركي، وكشف طبيعة تفكير الدكتاتوريات العربيةـ، وكتابه مترجم إلى العربية، وأغلب كلامه جيد، سوى أن وعيه للقضية السورية لم يكتمل بعد، لأنه يقيـسها بالمقياس السياسي فقط ولا يدرك خطورة البدعة الرافضية.
· وأثمن التقارير وأعلاها قيمة واثراً في الاحتجاج: تقارير كبير الفلاسفة المعاصرين: فيلسوف اللغة الأميركي (نعوم جومسكي)، وهو يرأس مجموعة من كبار الباحثين والمحللين في أميركا، وبعضهم من أصل عربي، مثل هشام شرابي، وأدوارد سعيد المختص بالقضية الفلسطينية وبفضح الاستشراق، وهو من نصارى القدس، وقناعتي أنه أسلم، لحماسته في الدفاع عن الإسلام التي أبداها في كتابه: (الاستشراق)، ومهارته في تفنيد دعاوى اليهود، وتضم المجموعة عدداً من كبار المختصين، واشتهرت مواقف (جومسكي) خلال الثلاثين سنة الأخيرة كناقد للديمقراطية الأميركية المزيفة، وللسياسة الأميركية الاستعمارية في العراق وفلسطين وكل العالم، وكناقد جريء للسياسة الإسرائيلية، ومحاسنه أكثر من أن نوجزها في سطور سريعة، وقد وقف في قضية الثورة المصرية مع الحق، وأيد شرعية مرسي، وقام بتعرية مجموعة السيسي، وأورد بالتفصيل مهزلة الإعلام المصري المعادي لمرسي، وأتى على ذكر الإعلاميين الضعاف النفوس بالأسماء، واحداً بعد الآخر، وبيّن خطل آرائهم وأكاذيبهم، وتقاريره هي من أرقى التقارير وأوفاها وأدقها، وتجدها كاملة في موقع (جَدَليّة)، ومع أني غير مخوّل للتكلم نيابة عن الإخوان، غير أني أُحب إبلاغه أن قيادت الإخوان تشكره على مواقفه جزيل الشكر، وقد أوردت طرفاً من تقاريره كملاحق لهذا الكتاب، وقد قلنا إنه هو الذي فسَّرَ عداوة الإمارات لمرسي بخوفها من مشروع قناة السويس الذي سيلغي أهمية دُبي بالكامل.
· ومن أدق التقارير وأكثرها عُمقاً ومهارة في التحليل: تقرير الأستاذ طارق رمضان في موقع (Muslim Villige) وهو ابن سعيد رمضان، أحد وجوه الإخوان بمصر قديماً، وأمه بنت الإمام الشهيد حسن البنا، والتقرير يورد تعداد الإيجابيات الكثيرة التي كانت ستحصل لو استمر مرسي، وأسباب خوف الغرب والطغاة العرب من الإسلام السياسي المتنامي، ولأهمية التقرير وصعوبة اختصاره قمت بإضافته إلى ملاحق الكتاب، كمصدر من مصادر الوعي السياسي الدعوي.
· وتكلم الأستاذ الكبير المستشار طارق البشري بأجود الكلام في الانتصار لمرسي والحرية الدستور، وهو من فطاحل القضاء المصري، واشتهرت عنه آراء سديدة كثيرة، والتزم الوسطية والحيادية والإنصاف طيلة حياته، وما هو من الإخوان، ولكنه فقيه ومجرّب يوازن بعقلانية يجهر بالحق إذا لاح له، وقد أوردت بعض كلامه الواضح في الملاحق، جزاه الله خيراً وزاده فصاحة في الحق.
· وموعظة فضيلة الشيخ الدكتور حسن الشافعي مستشار الأزهر هي تقرير جيد، عقلاني وعاطفي معاً، وشرعي فقهي إيماني وتجريبي معاً، وقد تلاه شفاهاً في بعض الفضائيات وساعدني بعض الإخوة في استخراجه مكتوباً، وأضفته إلى الملاحق لما فيه من صواب وتذكير صادق رفيع.
· ومقالات الأستاذ عصام سلطان جيدة، وهو من رجال حزب الوسط، وفيها محاججات منطقية مفحمة، ولذلك وضعت نموذجاً منها في الملاحق.
· وأورد الإعلامي العراقي الجَزَري عامر الكبيسي تقريراً في الجزيرة سرد فيه سياق الأحداث، وذلك مهم لذاكرة التاريخ، وعمل مكمل للتحليل، ولذلك أضفت تقريره إلى الملاحق.
ولكن عامراً له مشاركة متصلة جيدة يومية في التويتر، وله تعقيبات واستنتاجات ماهرة وطريفة.
ومما نشره في التويتر: إحصاء القتلى في صف أنصار مرسي..
فحتى يوم 16 يوليو (تموز) 2013 كانت الإحصائية كالآتي:
111 مذبحة الساجدين أمام مقر الحرس الجمهوري، ويشمل الرقم الكثرة الذين ماتوا لاحقاً بعد إصابتهم بجراح.
18 مذبحة ميدان النهضة.
18 مذبحة سيدي جابر.
6 في اعتصام ماسبيرو.
5 مذبحة الحرس الجمهوري الأولى قبل مذبحة الساجدين.
135 مذبحة مقرات الأخوان ومقرات حزب الحرية والعدالة.
---------------
293 المجموع
ثم 4 نساء وطفل في مذبحة المنصورة ثم عدد آخر في تعديات أنصار السيسي عند السفارة الأمريكية على جماعة مرسي.
ثم 136 شهيد في مجزرة رابعة العدوية.
والجرحى كثيرون أيضاً، ففي مذبحة الحرس الجمهوري فقط كان هناك 1000 جريح، وفي مذبحة رابعة أربعة آلاف وخمسمائة جريح.
وبعض القتلى من قادة الأخوان، مثل مسؤول قسم الطلاب في الأخوان، وهو أستاذ في كلية طب الأزهر واستشهد في مذبحة الحرس. والمسلسل متصل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
· ونطق الأستاذ فهمي هويدي بالحق بعد إبطاء، وأتى بكلام قوي في الإنكار على مبدأ الإنقلابات العسكرية.
· وتميز الشيخ الثقة الواعي حامد العلي كبير سلفية الكويت بمشاركات يومية نشطة في التويتر، متحمساً مع مرسي، وناطقاً بالحق، وناقلاً لأقوال الصحف والفضائيات، وقد أجاد واستوفى، وعاب على حزب النور خيانته، ونظم بعض الشعر، ومن أطرف جوامع أقواله وملاحظاته قوله:
(ميدان رابعة: صرح ثورة، وجامعة حراك سياسي، ومؤتمر حرية، ومشعل نهضة، وإشعاع نور للشعوب، ومعهد تدريب عملي للتغيير السياسي السلمي).
        الواجب الدعوي إزاء تطور القضية
والآن: يبرز سؤال: إلى أين نسير؟ وكيف نسير؟
وواضح أن القضية خطرة ومعقدة، ولذلك ليس من الصواب الارتجال والتسرع في وضع خطة الاستدراك، وعلينا الإذعان لحقيقتين:
· الأولى: أن لا يضع الخطة فرد، بل مؤتمر لإخوان وعاة عركتهم التجربة، بعضهم من أهل العلم السياسي يكون، وبعضهم من أهل العلم الشرعي، وبعضهم من التربويين، مع عناصر تخصص، مثل عسكري، وخبير تخطيط استراتيجي، وعالم نفسي، وإعلامي، وخبراء رقميات، مع مشاركة بعض الأخوات.
· الثانية: أنه من الواضح أن الرؤى والاقتراحات التي سيقدمها المجتمعون ستكون متباينة، وبعضها يخالف بعضاً، إذ هكذا شأن العقل البشري، وكل أحد يتأثر بنوع ثقافته وظروفه وتجربته الخاصة، ولذلك يستعان لا بالتصويت فقط، بل بحكم بعض العناصر القيادية المخضرمة وبترجيحها لتوجه على توجه، ولنظرة على نظرة، واجتهاد على آخر.
· وأضيف حقيقة ثالثة: أن القضية تجاوزت أن تكون مصرية، وأصبحت قضية الأمة، ولذلك يجب أن لا تكون الخطة مصرية فقط، بل يكون الطواف على مائة داعية في أقطار العالم من المتميزين بفكر أو خبرة، ويكون جمع رؤاهم واقتراحاتهم والانتقاء منها.
  ومشاركة مني في اكتشاف الطريق والسلوك أقترح التوجّهات الخمسة التالية:
· أولاً: استمرار الحشد التظاهري السلمي، والحفاظ على سلميته على الرغم من تساقط مئات الشهداء، والصبر على لأواء البذل الجهادي وضرائب الانكار على المنكر وإن كانت دموية على هذا النحو البشع غير المسبوق، وبلغني في التويتر وجود كتاب ألفه خبير غربي يشرح فيه جميع التدابير الممكنة لجعل مظاهرات سلمية تطيح بالدكتاتوريات والحكومات التي تستعمل قوة السلاح في القمع، لذلك يكون التفتيش عن هذا الكتاب والاستفاده من مقترحاته.
وسبب الإصرار على المظاهرات: أنها تحولت إلى مدرسة ثورية شعبية، تغرس قيماً سياسية في قلوب وعقول الشعب وتعمل على تطوير أحاسيسه وعواطفه ومفاهيمه وأخلاقه الإيجابية، ونقلته من السلبية إلى التأثير، وذلك مكسب كبير في مسيبرة التطور السياسي، ولذلك يجب الحفاظ على هذه الوتيرة النافعة للحركة الإسلامية، فإن لها آثاراً مستقبلية عظيمة حتى لو اضطررنا بعد قليل لإنهاء المظاهرات رحمة بالناس إذا استمر القتل وإرهاب الدولة، فقد استقر الوعي الجديد في ذاكرة الشعب، وانتقل نجباء الناس من الانسحابية والتخوف إلى الشجاعة والمبادأة والمشاركة والثقة بالدعاة واستطابة بذل الروح في تحصيل الحرية، وذلك هو الشيء الذي كان يعوز معادلة العمل الدعوي، ومعنى ذلك: سهولة التعبئة النفسية الروحية للشعب أصبحت عالية المستوى، وتضاعف الوعي والتدين وفهم الأسرار والالتزام بالقيم والاطمئنان إلى كفاية دعاة الإسلام في أن يقودوا المسيرة، بل هي طفرة عالية ونقلة نابضة دافعة وليست مجرد زيادة، ونحن نقترب من تحقيق التفوق الاستراتيجي الحاسم بحول الله وفضله وقوته.
إنما شرط مواصلة النجاح: الحفاظ على سلمية المظاهرات والنشاط السياسي، وهو ما طلبه فضيلة الأستاذ المرشد وأركان قيادة الدعوة والحلفاء من علماء السلف ورجال الأحزاب، فك الله أسر السجناء منهم، والمفروض أن لا نبالغ في طاعة هذا الخيار فقط، بل أن يوقن الجميع أنه الخيار الوحيد الصائب اللائق لمصر هذه الأيام في هذه المرحلة، حتى لو صح غير ذلك في بلد آخر بتسويغ شرعي وواقعي، فإن ظروف مصر مختلفة، والعدو يريد أن نتورط بعنف ليضربنا، فيجب أن نفوّت عليه هذه الفرصة من خلال انضباط صفوف المظاهرات والانتباه لعناصر المخابرات المندسة بينهم التي تريد التحرش بالجيش والشرطة عمداً لإيجاد تسويغ لإبادة المتظاهرين والدعاة، والعاصم إنما هو الانتباه الدائم واليقظة والانضباط وتعليق الزهور على فوهات بنادق الجيش وعلى خوذاتهم وصدورهم، وتسليمهم رسائل عاطفية تبدي حبنا لهم كحراس للوطن والشعب، وكل معركة لم نخطط لها نحن ويريد غيرنا أن يجرنا إليها: فمعنى ذلك أنها كمين، فالحذر الحذر من الاستدراج.
والمظنون: أن أوساطنا جيدة الانتباه لذلك، والحكمة وافرة، والانضباط سائد.
ولكن السلبية الواضحة متمثلة في أن الخطاب الدعوي الثوري يبدي احتمالاً واحداً لنتيجة المظاهرات يجزم بأنها ستنجح في كسر الانقلاب وعودة الشرعية والحرية سريعاً، ومثل هذا الخطاب صحيح إذا أردنا به التحريك وتشجيع المتظاهرين وبث الحميّة فيهم ودعوتهم للبذل، ولكنه خطأ في التخطيط، فإن أحادية الخيار مجازفة إذا ازداد العدو لؤماً وأبدى الوحشية وبالغ في الإرهاب دفاعاً عن نفسه، ويجب أن يكون لنا خيار ثان نبدأ تفهيمه للناس ولجنود الدعوة، يتمثل في انسحاب وقتي إيجابي، يعقبه عمل تربوي وتداول فكري عريض بين طبقات الشعب كلها، ويكون تكليف الداعية الواحد برعاية وانضاج وتوعية الثلاثين أو الخمسين أو السبعين، فتتحقق تعبئة عامة عميقة لثلث الشعب، والثلث كثير، يصطف فيها المثقف مع العامل والفلاح والأمي والنساء مع الرجال، ولليافعين واليافعات من الفتية والفتيات مساحة كبيرة في الحشد، ثم يكون النفير الثاني الحاسم عندما تترنح الطغمة الانقلابية تحت تأثير أخطائها وانشقاقاتها، فإن أكبر خطأ في تخطيط العملية الانقلابية كان هو جعل الدولار الخليجي اليهودي الأميركي ركن تحصيل الولاء، فاشتريت الضمائر والذمم، فانفتح المجال واسعاً للخلاف بينهم على التوزيع والقسمة والحصص، وقد يكون ذلك خلال أشهر قليلة أو سنة أو سنتين على الأكثر، وخلالها سوف لا يلينون، بل يحاربون الدعوة والأحرار بشراسة ومكر وكذب إعلامي وأخلاقيات هابطة إلى مستوى النذالة والحقارة، وتكون المحنة والفتنة شديدة وقاسية، إنما في علم حركة الحياة ورصد وجود حكمة الله: تكون هذه الشدة هي الشرط الضروري لحصول الانفجار العظيم بعد الكبت الذميم، وحين تبلغ القلوب الحناجر: يتنزل النصر الرباني، وذلك باب من فقه الدعوة يميل إلى الواقعية وينتظر مسلسل معادلات الأقدار الإلهية أن تعمل.
وأنا لا أنفرد بفكرة وجوب اتخاذ الخيار الثاني، بل سبقني إليها فضيلة الشيخ القدوة محمد البحيري، في تعليق له في التويتر على بعض كلام للأستاذ عصام العريان، وذهب إلى التذكير بأن الفئة الانقلابية استندت إلى مكر دولي، وقد تستمر في ارتكاب الغي ولا تتنازل، وأن الواجب أن نترك جمهورنا يتوقع عجز المظاهرات عن نقض الانقلاب، والبديل أن ندعه يستعد لمعارضة طويلة الأنفاس وأن يتعلم المناورة وتكرار المصاولة، فذلك خير من أن يواجه صدمة إذا فشلت المظاهرات بسبب شدة القمع، أو قال قريباً من ذلك وليست هي حروفه، وإنما أدونها من ذاكرتي، وأنا معه وأوافقه جداً.
· ثانياً: تربية الدعاة وأنصار الدعوة وطبقة الموالين لها على قيم الاستعلاء الإيماني، والعفاف، وأخلاق الفروسية، والشوق إلى الموت في سبيل الله، فإن المرحلة أفرزت مفاصلة تامة الأوصاف بين الإسلاميين والجاهليين، ومطالعة كتابي: (النفس في تحريكها الحياة) مفيد جداً في هذا الباب، وكذا كلام سيد قطب رحمه الله في تفاسيره لسورة التوبة والأنفال والأنعام من الظلال، والمطلوب من الإعلام الدعوي ترويج هذه القيم والاستشهاد لها بالدلائل النقلية والعقلية.
وحين نقول: تربية الدعاة والأحرار على عشق الموت في سبيل الله: فأننا لا نعني أننا نسير إلى مواجهة قتالية، فإن السياسة التي اختارها مرشد الدعوة وقائدها سياسة سلمية، وحمل السلاح غير وارد أبداً، فإن الطواغيت تريد استدراجنا لعنف ليقضوا علينا، ولذلك يجب أن نتفلت ونضبط أهل الحماسة الزائدة ونمنعهم من التهور، ولكن نعني أن حمل السيف إذا كان واجباً على الأحرار إذا قرر القادة حمله: فإن مادون ذلك من التظاهر الذي فيه احتمال الموت بدرجة أقل كثيراً هو أكثر وجوباً، وهذه محاججة منطقية ضرورية للتوصل إلى هذا الاستنتاج، وفي الحسابات: أنه لو قدم الأحرار في الموسم السياسي 300 شهيد على مدى شهرين من التظاهرين: فإن معدل الاستشهاد هو 5 شهداء في اليوم. فإذا كان معدل الذين يتظاهرون يومياً هو 5 ملايين، فإن احتمال استشهاد المشارك هو بنسبة 0.00001% أي واحد بالمليون، بينما في القتال يرتفع إلى 50%، لأن مجاميع القتال تكون صغيرة العدد فتزيد النسبة جداً وتتضاعف ألوف المرات، وفي هذا ما يمنع اعتذار الحر من المشاركة في التظاهر، لأن احتمال الخطر ضعيف جداً، ومراعاة لهذه الحقيقة كانت الفتوى بمشاركة النساء والأطفال في التظاهر والضغط السلمي.
· ثالثاً: أن يبث الدعاة الوعي السياسي في الشعب عبر مختلف الوسائل الإعلامية والتربوية، ومعاني الإقدام والإيجابية والمبادأة والتحدي وصناعة الحياة، فقد أوضحت المعركة الأخيرة مدى الغموض والسرية في تحركات أعداء الحرية، ودخول عدد من الدول والملل على الخط، ويكون التعامل مع شخصيات لا نعرفها، وفجأة نكتشف عند صعودها بانقلاب أو اتفاق تصالحي أنها يهودية من جهة الأم، متل السيسي وعدلي منصور، أو بدعية متل محمود عباس البهائي، وهناك تحالفات دولية، وخطط استخبارية، وانظر كيف التقت مصالح روسيا والصين مع مصالح أميركا وإسرائيل وإيران في القضية السورية مع أنهم أعداء، ولذلك تجب المسارعة إلى تأسيس معهد دراسات سياسية واستراتيجية تابع للدعوة في كل قطر، يستطلع للدعاة أسرار السياسة، ويدون بحوثاً فيها صنعة توثيقية وتحليلية، ونشر هذه البحوث وشرحها للناس، لترتقي بالوعي السياسي للشعب، فيتوافق مع الدعاة في تشخيص الخطر قبل وقوعه، أو معارضته وإزالته بعد وقوعه، والشعب يريد أن يقتنع قبل أن يخطو مع المعارض ويشترك، بل ذلك من مصلحتنا حتى لو شارك الشعب ثقة بنا، فإن المشاركة الواعية أقوى بكثير من المشاركة العاطفية.
وليس هو الخطر فقط يجب أن يكون الدافع في التحرك، بل المصلحة وإدراك الحقائق التنموية، فالحرية التي نطلبها تحمل في ثناياها التوسيع على الناس، وزيادة معدلات دخولهم، وتضاعف الخدمات الحكومية لهم من علاج وتعليم ونقل وأمن، فنروي لهم كيف أن أردوغان وحزبه ضاعفوا معدل دخل الفرد التركي خلال 5 سنوات من ثلاثة آلاف دولار سنوياً إلى اثني عشر ألف دولار سنوياً، وأنه بنى ثلاثين جامعة وعشرات المستشفيات الكبرى، وشق أوسع الطرق والأنفاق، ووزع عشرين مليون (تابلت) رقمي وآيباد على طلاب المدارس مجاناً فيها كل الكتب المنهجية والمراجع والمعاجم، وأصبح الطالب مستغنياً عن حمل الكتب ومراجعة المكتبات، وانتقلت تركيا في عهده من دولة مدينة بأربعين مليار دولار إلى دولة دائنة للبنك الدولي بخمسة مليارات، وكانت أربعين مليار دولار أخرى من الديون قد سددها سلفه وأستاذه أربكان حين حكم، وفّرها من القضاء على الفساد الإداري، ثم نذكر كيف ارتقت الخدمات البلدية في كل مدن تركيا، وكيف صارت اسطنبول من أجمل مدن الدنيا وأرقاها بعدما كانت قبله متأخرة، وأنه صرف عليها ثمانية مليارات دولار في أربع سنوات من دخلها الذاتي لا من ميزانية الحكومة بعدما كان دخلها ينهبه الفاسدون، وبذلك تضاعفت موارد السياحة، والتجارة التصديرية، وحصل تعميم التأمين الصحي لكل عائلة تركية، وأعاجيب أخرى، منها مشروع قناة جديدة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة ستكلف مع مقترباتها وتطوير جوانبها خمسمائة مليار دولار، لكنها تؤدي إلى دخل هو أضعاف ذلك، فهذه المقارنات التنموية توسع مدارك أبناء الشعب، وتجعلهم يطلبون الحرية والقيادة الإسلامية، وما عادت المواعظ الدينية تحرك الشعب، بل هي تحرك المتدين منهم فقط، وإنما تحركه التوعية السياسية والتنموية أيضاً، فما عادت الغفلة عن ذلك جائزة.
· رابعاً: ممارسة تطوير عام للدعوة في مختلف النواحي، وفي الإعلام والاستثمار المالي بخاصة، لأهميتها في إدارة انتفاضات الحرية، وما غلبونا في تجربة مرسي المؤلمة إلا بهذين السلاحين. والتطوير فن دقيق، ومجموعة خطط متكاملة، ومنهجيات تفصيلية، ولا يمكن التعريف بها هاهنا، ولكني أشير إلى أني بصدد تأليف ثلاثة كتب في التطوير الدعوي تشرح المقصود، وقد أنجزت الأول منها بحمد الله، وعنوانه: مقدمات الوعي التطويري، وسيصدر بحول الله للبيع الإلكتروني بعد شهر، ثم يصدر مطبوعاً بعد ذلك فوراً.
· خامساً: الإسناد العالمي العام لنقطة الانطلاق في مصر، فتكون المؤازرة من كل قطر كأنها شعاع نور في حزمة ليزر تجمع الأنوار وتركزها، فتكون لها قوة عجيبة تفتت الصخر وتثقب الفولاذ، فإن (مصر أم الدنيا) صِدقاً وحقيقة، وهي قائدة العالم الإسلامي، وإذا صلحت: صلح العالم، ولكن واجب كل قطر في هذا التعاون لا أحدده أنا ولا غيري، بل هي صنعة القادة في كل قطر، وهم أعرف بطاقاتهم وما يمكن تقديمه، فيكون منهم الاجتماع بعد الاجتماع حتى تنضج وتتضح خطة إسنادهم لمصر ويكون التوكل على الله.
        الفوائد العظيمة الكثيرة التي منحها انـقلاب السيسي للدعوة
  في حكايات التراث: أن والياً تركياً رأى انشغال قبائل العرب في الولاية التي يحكمها بأمرٍ دهمهم فجعلهم في نفير واهتمام مضاعف، لكنه لبث يرى أهل الطرب واللهو والفجور من رعاع الناس في غفلتهم ويعزفون الموسيقى ويرقصون، فأنطقت الوالي رَطانتَه الأعجمية بجملةٍ ذهبت مثلاً سائراً حين قال: (عَرَب وَيْن، طنبورة وَين)، وتعبير وَين: بمعنى: أين، والطنبورة: أي الطنبور، وهو آلة موسيقية وترية قديمة أشبه بالعود، ويشير بذلك إلى أهل الطرب.
  ويصور هذا المثل حالنا، فنحن في نفير لتحصيل الحرية من خلال ثورات الربيع العربي، وكل اهتمامنا يتركز في السياسة وإدارة التحول الاستراتيجي في مسيرة الأمة بنجاح، ولكن مجموعة أهل الفسوق والفن الهابط والإعلام الماجن وجماعة الممثلين والممثلات والطُنبوريين والتهريجيين يُغدق عليهم حفاة الصحراء رعاة الإبل مليارات من الدولارات ويشترون لهم ذمم عساكر وأقباط لافتعال حفل ماجن صاخب مدةَ موسمٍ يكون فيه التعكير على مسيرة الحرية، وأحد الأدلة على ذلك صورة اشتهرت للممثل والمخرج السـينمائي المجرم طارق النهري يحمل المسدس بيد، ويمسك بالأخرى حراً يريد قتله، عقوبة لهذا الحر حين تظاهر أمام السفارة الأميركية في القاهرة منكراً تدخلها في الشأن المصري.
فالمفاصلة حاصلة يقيناً، ونحن العرب في واد، وأهل الطنبورة في واد.
  والكثير من الدعاة أصابهم حزن حين حصل انقلاب الطغمة الفاسدة ذات العفونة السباعية الإنتان، وظن بعض الدعاة أن الانقلاب تعويق ورجعة إلى الوراء، ولست أوافقهم، بل أراه من الأقدار الخيرية الربانية، وأنه أكبر خطأ ارتكبه آل سعود في حياتهم، وأنه أخطر قرار من القرارات المهلكة التي ارتكبها محمد بن زايد آل نهيان بسبب قلة عقل ونباهة وذكاء مجموعة مستشاريه الذين يخططون له: أحمد شفيق، ودحلان، وضاحي خلفان، وأسعد عبد الرحمن، وأن الانقلاب تمثيلية سيئة الإخراج جداً، رديئة الممثلين، وأن مرتزقة الإعلام المصري رسموا صورة هزيلة مضحكة أعطت مفعولاً عكسياً، وما كان الواحد منهم يستحق غير أن نقول له، صه، فلن تعدو قدرك الواطئ، وديدنك الأخلاقي الإباحي الهابط. وقد صرف رعاة الإبل أموالهم المليارية، ثم ستكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، ومرسي والإخوان وعموم دعاة الإسلام بخير، وازدادوا جاهاً وسمعة طيبة وقوة وتأثيراً، ولو كان آل سعود وآل نهيان وآل الصباح استمالوا الإخوان والإسلاميين لكان خيراً لهم، وأجدى وآمن، لأن وعيهم أوصلهم إلى ضرورة نصح الشباب الخليجي بعدم الثورة على هؤلاء الآل الثلاثة لئلا تستفيد إيران الشعوبية الابتداعية من ذلك ويزيد اختراقها للأمن العربي الاستراتيجي، حتى أنا قلت ذلك صراحة في آخر صفحة من كتابي عن ثورات الربيع العربي المسمى "تنظير التغيير" الموجود على "الصفحة الرسمية للراشد" في الفيسبوك منذ عشرين شهراً، وقد قلت ما نصّه: (وإذا لم يصعد التيار الإصلاحي في إيران إلى الحكم: فإني أرى الحفاظ على الجبهة الشرقية كما هي، منعاً للاحتمالات السلبية، وعندئذ يكون من الأفضل  ان تتحول خُطة التغيير في الخندق المواجه للصفوية إلى مطالبة بإصلاح وحريات وحقوق دستورية وتنمية راشدة وتجميد لفكرة الصلح مع إسرائيل، وهذا تكتيك يفهمه العقلاء من العرب وأبناء الصحراء، ولكني أخاف أن تدخل أميركا على الخط وتؤجّج صراعاً وتغييراً في غير وقته الملائم تحقيقاً لنصيحة الرئيس نيكسون في مذكراته بضرورة تمكين الصفوية وفسح المجال لها أن تصول وتجول انتقاماً من الوجود السني الذي جاهدها على طول الخط، والسياسة عالم عجيب، وينبغي أن لا تخدعنا ظواهر الأمور وخُطب أحمدي نجاد الرستمية الكسروية الكورشية الإخمينية، فإنّ اتفاقات الباطن غير ذلك، وهي النافذة، وقد كتب الله على بعض المؤمنين، النظر التبسيطي، وسيخدعهم الخَبُّ، ويندمون). وكأن بإمكانهم تأمين المرحلة بمثل هذا التطمين من الإخوان، ثم استدامة أمنهم بالعدل الذي يبدونه وإقرار حقوق الإنسان بدون الحاجة لانقلاب.
والدليل على أن افتعال الجهات الغبية السبعة لانقلاب السيسي كان قراراً مُهلكاً وعملاً خاطئاً: حصول خمس عشرة فائدة ومصلحة للدعوة الإسلامية في شكل نتائج إيجابية متولدة من الانقلاب سترتفع بمستوى الأداء الدعوي أضعافاً مضاعفة، وتختصر الزمن والجهود والطاقات والأموال، وتُدخل السعادة إلى قلوب الدعاة والأمل والبشائر والطموح، وكل ذلك من فضل الله على الدعاة وتوفيقه، فإنّه ناطر الغافلين وولي المتقين، ويجعل من أخطاء الـمَرَدَة والمخابرات مَصاعد لنا، ومن أين يُتاح لرعاة الإبل الذين همهم التطاول في البنيان أن يفهموا موازين حركة الحياة كما نفهمها ؟؟
فيا أيها الإخوة الدعاة في كل العالم، ويا أيها الأبطال في ميادين رابعة العدوية والنهضة والجيزة والاسكندرية والمنصورة وسوهاج: اطمأنوا، وأربِعوا على أنفسكم، فقد يأذَنِ القَدَرُ الرباني أن ترجعوا إلى بيوتكم آمنين بعد أيام، ثم اللهُ تعالى سـيـيـسر التغيير الحاسم آخر الموسم بما أتاح لكم من حقائق التطور الدعوي من خلال أخطاء الانقلاب، أو الآثار الإيجابية الآتية التي نتجت من وقفتكم البطولية المباركة، ورحم الله الشهداء الذين سبقونا إلى رحمة الله وفدوا الدعوة والحرية بأرواحهم لتحقيق هذه النتائج الباهرة:
· أولا: إن الدعوة نجحت في كسب ولاء أكثر الشعب المصري لها، وأكثر العرب والمسلمين في العالم الإسلامي، ثم أكثر أحرار العالم من كل الشعوب في العالم الثالث وفي الغرب والشرق على حد سواء، وهذه منزلة جديدة يحتلها الزحف الدعوي تحصل لأول مرة في التاريخ بهذا الحجم الضخم، وإذا كان مندوب القناة البريطانية يقدر عدد الذين خرجوا في المظاهرات بوم 19/7/2013 تأييداً لمرسي بخمسين مليوناً في كل مدن مصر، كما هي الصور الجوية، فهذا معناه أن كل عضو من الإخوان والسلفية أصبح يستثمر ولاء خمسين مصري شريف عاشق للحرية، وأن كل بروتون منتظم أصبحت تدور في مدارات حوله خمسين من الكترونات التأييد والنُصرة والارتباط المصيري والتأثر الفكري والانحياز السياسي والتصويت الانتخابي والتوافق القِيَمي والوضوح المبادئي، وكلها تـنـتفض حيوية بفعل شحنة الحرية، وهذا ما لم يحدث في تاريخ العرب الحديث، وما كان يصل إليه خيال أكثر الدعاة طموحاً، والظروف مواتية لتحوّل هذا الولاء الجديد إلى ولاء دائم واعٍ عميق وتكوين تيار كاسح يسهل عليه أن يتوصل إلى نتائج حاسمة، وقد مَكَرَ محمد بن زايد، فمكَرَ الله سبحانه خيرُ الماكرين، فكانت هذه الاصطفافية العارمة ضده وضد أمثاله.
· ثانياً: إن الشعب المصري أدرك القصة بفطرته النقية، فاستيقظ، ولكن يقظات الشعوب تحتاج وجود القيادة التي يثق بها الأحرار، فلما نجحت التربية الدعوية في صياغة عشرات ألوف الإخوان الوعاة المتسلحين بالعلم الشرعي والمعرفي والخبرات التنظيمية والسياسية عبر عمل ثمانين سنة: تشكلت منهم كتلة قيادية نزلت إلى الميدان ورشحت نفسها أن تكون هي رأس النفيضة، وتحالفت مع كتلة سلفية أجادت التعاون، فتشكلت كتلة قيادية إسلامية تقود مسيرة الشعب نحو الحرية، فعدوان الصحراويين أيقظ المشاعر الحضارية المصرية ومنحها زخماً وفقهاً واقعياً رضيت به أن تعترف بالقيادة الإسلامية الدعوية أن تكون قيادة مسيرة الحرية، والتفت حولها فاكتمل التكوين الثوري، وما عاد أحد يتخوف من فراغ قيادي، بل انضبطت بوصلة الجماهير الهادرة كلها وفق خُطة واحدة وتعليمات صارمة، وأبدت الجماهير أعلى درجات الالتزام، بسبب الثقة الكاملة بهذه القيادة، والحفاظ على سلمية المظاهرات هو المثل الأوضح لهذا الالتزام الواعي وطاعة القيادة، وهذه نتيجة ثمينة ساعدت عليها الاختيارات السيئة لمحمد بن زايد لرجاله وتجميعه المتردية والنطيحة وما أكل السَبُع، وعموم شعوب العالم اليوم تدعو بالتوفيق للجماهيرالحرة، وتلعن المجموعة الانقلابية، حتى مجلة التايم، كتبت على الغلاف: إنهم أفضل المتظاهرين في العالم، وما ذاك إلا لأن الله جعل قلوبهم ترتضي قيادة حكيمة تتقرب إلى الله بالسلمية والحكمة.
· ثالثاً: كانت "القضية" المحركة عندنا نحن الدعاة هي قضية فكرية مهمتها التذكير بكل كتلة النصوص الفقهية الإسلامية وما يلحق بها من تُراث، وكل قضية فكرية إسلامية أو جاهلية تبقى عائمة في ذهن العامة ضعيفة الاستقرار والروابط بالواقع، لأنها تحتاج بعض الخيال لتصَوُّرِها واستحضار معانيها وأبعادها، والخيال صعب على العامة، ولذلك بقيت فجوة دائمة بين تفكير الخاصة، وهم القادة والدعاة، وتفكير العامة، ولذلك كان التحريك صعباً بسبب هذه الفجوة، وكان الخاصة يتحملون كل العبء بصبر، وقلوبهم عاتبة على عامةٍ هم ضحية التوزيع القدري لمقادير الهمم والاستيعاب والصنعة التحليلية، فإن التحرك هو صدى نوع الفهم، وكان التزوير الإعلامي يزيد هذه الفجوة حجماً، وما كان متاحاً للخاصة سوى انتظار النضج الشعبي الذي يتصاعد ببطء، كمثل فلّاح أودع الأرض نواةً وبقي ينتظرها سنوات لتستوي شجرة تتحفه بثمر، أما انقلاب السيسي بالتمويل الصحراوي: فكان حادثة كبرى نافضة هازة: منحتنا قضية في أرض الواقع ملموسة واضحة جداً لا تحتاج الخيال لتصَوّرها، ويدركها الفقراء والفلاحون والضعفاء (الغلابة) بالبديهة والفكرة ومن النظرة الأولى، ولذلك ستكون هي محور التحريك في المستقبل، وستعلق في الذاكرة الجماعية للشعب الفطري المخلص الذي كان سمحاً على طول الخط، ولكن عصابات الفساد الإداري والظلم الاجتماعي والسياسي كانت تخونه وتسلب ما يهب الله له، والعصابات السبعة التي اجتمعت وتحالفت وقامت بالانقلاب هي أسوأ من كل الدكتاتوريات السابقة، بقرينة الكذب والتزوير الذي ابتنت عليه، وبذلك توفرت قضية واقعية للشعب تظل ماثلة شاخصة أمامه وتفجّر كوامن طاقته ولا يحتاج الدعاة بعد اليوم إرهاق أنفسهم في حملات توعية وشرح، بل صار الشعب هو الذي يطلب من الدعاة أن يتصدروا ليقودوه، وهذا مؤشر عظيم من مؤشرات نجاح ثورتنا الإسلامية بحمد الله، ولولا خطأ الصحراء ما وضع الحضاريون المصريون الغلابة النظارات والعدسات على عيونهم فأصبحت تقرأ السِّر والكيد الذي غطّته الأنانية الغازية.
· رابعاً: صار لنا بَطَلٌ نتغنى بمناقبه ومحاسنه ورئـيس قرآني فقيه يقوم بتذكير أمة الإسلام كلها لا مصر فقط بسمت الصالحين وهدي عمر بن عبد العزيز بعد ما كان حكام مصر نُسَخاً جديدة من الفراعنة، وبموازاة بطلنا قامت صور أبطال قياديين وقدوات يعرف الشعب أنهم هم الذين كانوا وراء البطل الرسمي المنتخب، ووجود "البطل" الذي يكون محور تجميع ورمز جهاد هو أمر مهم في نجاح الثورات، وبالأمس كانت الدعوة تحيل الشعب إلى أسماء أبطال من الأموات رحمهم الله أدّوا الواجب وغابوا، وأما اليوم فبطلنا حيٌّ، وكان قبل اختطافه مُعرَّضاً للنقد كأي رئيس، وبعد الاختطاف صار مظلوماً اعتدى عليه الجلاوزةُ وسُرّاق الحريّة الكاسرون للصناديق التصويتية الكارهون للطرائق الانتخابية، وهذه أوصاف تستفز كل حُرّ في العالم حتى النصراني والبوذي وتجعل العالم كله يـنـتصر لبطلنا. نعم: أبدى محمد بن زايد مهارة في القنص والصيد، لكنه صادَ أسَداً، وكذلك السلاح والدبابة، يغلبان أشجع الأسود ..! وليس ذلك بفخر، فإنه نِزالٌ غير متكافئ، وتأباه أخلاق الفروسية، وإنما هي جاهليات قياصرة روما .!!
· خامساً: بهذه "الـرِّدّة": تم تـثـبـيت "قيمة" السعي لنيل الحرية، والبذل في تحصيلها، وأنها تؤخذ غِلاباً ومكافحة، ولا يتصدق بها أحد. وهذه القيمة هي من أهم ضرورات التربية السياسية، ومهما حاولنا ما كنا نستطيع غرسها بسهولة في الأنفُس ولو تلونا ألف قصيدة في الحرية، ولكن الحَدَث الفادح ربى الناس عليها. إذ صارت درساً عملياً ليس فيه تـشويق فقط لنيل معنىً جميلٍ اسمه الحرية، بل فيه أيضاً سرقة ُشيءٍ كان في اليد، ومِلكٌ صِرفٌ صارت له حيازة وتـسجيل واعتراف، وهناك جريمة كاملة الأركان في الوصف القانوني، وما هي بأشواق في خيال شاعر فحسب، وبذلك اكتمل الدافع المحرك للشعب للاسـتمرار في طريق صناعة الدولة الحُرة المسلوبة التي نام الخائفون في ظلها البارد سـنة كاملة.
· سادساً: أنتج هذا الانقلابُ أعلى مستوى لتـشـغيل الطاقات الإسلامية حين حصلت محاولة الاسـتـبداد والاعتراض عليه بالمظاهرات، مع أعلى مسـتوى تصديق بقِيَم "البذل" و "التضحية" و "الصبر" و "الثـبات"، وما كانت أساليب الدعوة في (التربـية التلقينية) لتـسـتطيع بلوغ هذا المسـتوى، لكن الحَدَث اختصر الزمان والمكان ولم يتـرك أحداً عاطلاً أو بطيئاً أو مترهلاً، بل الكل في (نفير عام). نعم: سعة الاستجابة هي ثمرة من ثمرات التربية الدعوية المتراكمة لمدة أكثر من ثمانين سنة، وهي التي وفّرت الأساس الصلب لهذا النفيـر، ولكن (داينمك) الرفض القارع في قوته، الفارع في طوله وامتداده: صار اسـتـثـنائياً، لأنه وليد الميدان، وبه أنَلْنا ملايين الأطفال وصغار الشباب جُرعة تربوية كافية لأن تظل حيّة في ذاكرتهم عشرات سنين أخرى تجعلهم نِعْمَ الحُراس الوعاة للمكتسبات السياسية التي سوف تـتحقق عما قريب بحول الله، وبإمكان المحاربين القدماء أن يركنوا لِراحةٍ بعد قليل عندما تعم الحرية، غير قلقين، لأن الميدان عَرَك الجيل الصاعد وربّاهم بما فيه الكفاية ليكونوا خير خَلَف، واتضحت لهم معاني المرابطة لحراسة (حَوْزة الإسلام) الثمينة التي أريقت في سبيل بِنائها الدماء الزكية، والصبي المشارك اليوم سبيقى يتذكر إلى يوم موته بعد سبعين سنة ربما أنّ أموال مَلِك آل سعود وراعي الإبل النهياني قتلت يوماً من الأيام عُشّاق الحرية من المؤمنين رُكّعاً وسُجّداً أمام عينيه يوم كان صَبـياً يهتف مع أبيه وأمه أن: بُعداً بُعداً ... للطغاة.
· سابعاً: حصل انـتقال القضية إلى جميع العالم الإسلامي وحياة الجاليات والأقليات الإسلامية في العالم كله، واهتم الجميع بها، وبذلك صارت أجزاء الدعوة في الأقطار كلها في حالة نفير عام وليـس النفير بمصر فقط، وحصلت متوالية تـشـغيل كل الطاقات عندهم أيضاً وانـتهى الترهّل، وأنـتجت الحادثة تأثـيـراً تربوياً في الدعوة العالمية يعدل كل تأثير السنوات الثلاثين من عمر العمل العالمي الموحد، بل أقول: أيّـما جزء دعوة كان يسير الهوينى: سـتـشـهد السنوات القادمة له انطلاقة واسعة ملؤها الحيوية وذبذبات النشاط، بما اقتـبـس لنفسه من (المعنى المصري)، و (السمت المصري) الذي كان بركةً على أرض الكنانة وعلى ديار الإسلام كلها. فطوبى لهذه الكرامة المصرية الأوليائية التي لم يعرفها كثير من الناس حتى رفع محمد بن زايد الغطاء عنها فلمعت.
· ثامناً: الطاقات النسائية طاقات عظيمة، والنساء نصف المجتمع، ولكن التخطيط الإسلامي غفل عن اسـتـثـمار هذه الطاقات في الميدان السياسي، واكتفى بدورهن السامي في تـنـشـئة الذُّرية، واستمر هذا النقص تحت ثقل الأعراف، فلما جاء الحَدَث الانقلابي: أطلق هذه الطاقات المخبوءة، وإذا بها هادرة وجبّارة، وأصبح ثقلنا الإسلامي الضاغط مضاعفاً بمبادرات النساء جزاهن الله خيراً وتقدمهن الصفوف في أروع مثال، وانكسر حاجز التردد في توظيف جهود النساء.
· تاسعاً: أوجدت التدريـبات الإبداعية والإدارية، المعززة بأداء الرقميات الإنـتـرنـيـتـي: بدعة التـثمين المضاعف لأدوار الشباب، واعتقاد أن الأجيال المخضرمة السابقة رجعية ومحدودة الأثر، حتى كاد الأمر أن يتحول إلى غرور ينكر التكامل الضروري بين الأجيال الدعوية، ويتجاهل الحكمة التجريبية التي هي وافرة عند الشيوخ وتعوز الشباب بحكم فارق العمر، فجاء الانقلابُ مُحدثاً نفيراً عاماً توازت فيه كل الأجيال في مسيرة واحدة، وانـتفت وسوسة جاهلية أحدثها رونق التدريب الإبداعي وزوّقتها شاشات الكومبيوتر التي صارت من زيـنة الشباب، وأدار المخضرمون المعركة بكفاءة أرضت الشباب، وضرب الشباب من البطولات وسرعة التحرك ووتـيرة البذل ما أعجَب المخضرمين، فتم التلاحُم، وحصلت وحدة تـنظيمية وميدانية بهيّة الأوصاف، وثبت أن الأخلاق الإسلامية والأعراف الإيمانية عامرة حَيّة لا خوف عليها.
· عاشراً: كشفت حادثة الانقلاب السُباعي الوجوه عن الدخلاء الذين اخترقوا الوصف والصف الإسلامي وتحدثوا دهراً بالإسلام كذباً، ويتمثلون بحزب النور السلفي على الأخص، فقد انفضح وسقط وانتهى وكَنَسَتْهُ الأحداث من طريق الدعوة، وسقط جُهلاء الأزهر بقيادة إمامهم الأكبر وعَرَفهم الشعب ووصفهم أنهم وعاظ سلاطين، وتخلّصت الدعوة من عدو يؤذيها وتـمْنعُها عواطف الناس وبساطة المصريين الطيبة الفطرية من الشكوى وذِكر اسم المؤذي، لما للأزهر من سمعة تاريخية، فعرف الطيبون اليوم بعد الانقلاب أنهم أمام عدوٍ معمم غير طيب. وكذلك تنقّى الداخل الدعوي من عناصر متأرجحة لم تـتمحّض وكانت تضع قَدَماً في الآخرة وقدماً في الدنيا وتعجز القيادة الدعوية عن اكتشافها وفصلها، لغلبة حسن الظن، وظنها وجوب الأخذ بالظاهر دوماً، ولتقوى القيادة حين تبالغ في العفاف فتتوقف عن اتهام مؤمن، مع أن بعض سوء الظن حَزم، لو لجأت إليه، فكانت الأقدار الخيرية نائبة عن القيادة الدعوية، وأغرت عبد المنعم أبا الفتوح أن يجمع هؤلاء النَفَر أهل الاختلاط وازدواجية الخطوات، وخرج بهم، فانكشف نصف انشكاف وللوعاة فقط، ثم أبت الأقدار إلّا أن تحجب بَصيرَتَه فشارك في اعتراضات 30 حزيران (يونيو) ثم في الانقلاب، فانكشف مائة بالمائة وأيقن كل مخلص من أبناء الشعب أنه اتبع هواه، ثم بعدما مَنَع الانقلابيون عنه المنصب واكتفوا بحفنة دولارات صحراوية أعطوها إياه: جاء يولول ويتهمهم بالاحتكار، وكأنه كان يظنهم أقرب إلى الملائكية مثل إخوانه السابقين الذين فتحوا له صدورهم وأحبّوه في الله ورَعَوْه وآنَسوهُ عند وحشة الطريق، والندم الآن يستبد بقلبه ويُتلفه ويدمره، ولكن هكذا يكلأ الله الدعوة بعينه التي لا تغفل ولا تنام، وكل هذه الحماية الربانية المتمثلة في انكشاف هذه الزُمَر الثلاث: حزب النور، والأزهر، والفتوحية: ما كانت لتكون وتـتحقق لولا انقلاب السيسي، فصار هذا الانقلاب خيراً على الإسلاميين من خلال سقوط الأقنعة الزائفة عن الوجوه البـشعة، وقيل: الحمد لله رب العالمين.
· الفائدة الحادية عشر: كنا نـتخوف من أن حزب الحرية والعدالة مع الأيام سيشعر باستقلالية عن الدعوة، وتتكرر قصة حزب مثيل في الأردن، أو قصة الحزب الإسلامي العراقي في شعوره الاستقلالي عن الدعوة، أو قصة أخرى جزائرية، والذي يحرك الشعور الاستقلالي في مثل هذه الحالات ليست النوايا، ولكنّ طبيعة الأداء السياسي تجعل رجال الحزب حين يتعاملون مع الفرقاء في الساحة على قناعات ربما لا تراها القيادة التي وكّلتهم عنها، فيكون الخلاف في النظر هو سبب الخلاف في الموقف ومحاولة التململ من قيود الارتباط بالقيادة الدعوية، ولكن عُنف الانقلاب وكونه (غزوة خارجية بَدوية بتخطيطات سِي آي أئِيّة) بدّل طبيعة الشعور الحزبي، وبدلاً من الجنوح نحو الاستقلالية حصل انعطاف عاطفي مضاف نحو المرشد المؤتمن ومكتب الإرشاد وعموم رجال القيادة الدعوية، واندمج الحزب بالكيان الدعوي أكثر وأكثر، وعرف الحزب أن التحامه مع الخط التربوي الإخواني والخط التـنظيمي هو ضرورة لتحصيل تحريك الناس لصالح خُطته، والدعوة تعيش اليوم أبهى حالات وحدتها الذاتية، وفي علم حركة الحياة: أن الخطر الخارجي يؤدي إلى توحيد الصف الداخلي دوماً، وقد أسدى الملوك جميلاً إلى الدعوة من حيث لا يشعرون. !
· المصلحة الثانية عشر: نضوج الفكر السياسي في العالـمَيْـن العربي والإسلامي واكتماله ووصوله إلى درجات الإقناع العليا، وذلك أن (الانقلابات) كانت هي أكبر عوامل التكدير على مسيرات الحرية، واستطاعت الدعوة والأحزاب الوطنية التي تتوهم العلمانية في سعي مشترك من خلال المفكرين أن تـشيع ثقافة ضد الانقلاب العسكري كوسيلة سياسية، واللجوء بدل ذلك إلى الثورات الشعبية، فإنها أعمق أثراً وأكثر نجاحاً وأبعد عن انحراف ضابط من الضباط بالانقلاب ليـبـنـي دكتاتوريته الخاصة، وقد ساعد التطور المدني المعاصر على رواج هذه الثقافة وقلّت الانقلابات، ولكن إلى درجة غير تامة، وبقيت الأمة الإسلامية تحتاج دفعة أخرى من الوعي توصلها إلى مثل ما عليه أوروبا وعموم الغرب الديمقراطي من انعدام الانقلابات، وبقينا بين مُصدق ومكذب في اننا يوماً ما سنذوق الطعم الحلو لحياة سياسية خالية من احتمالات الانقلابات، وأن ثقافة صارمة ستلجم العسكريين عن المغامرات، وبقي الشك دهراً والقلوب واجفة راجفة، والناس بين راجٍ ويائسٍ، وإذا بالقدر الرباني يدخر للأحرار حادثة انقلاب السيسي السـيـئة الإخراج، القبـيحة في كل وجوهها، التي لم يحسنها آل سعود وآل نهيان، ومارسوها بفوضوية واضحة، وجعلوا ركنها الاعتماد على المجرمين والبلطجية وحثالات المجتمع، وبذلك حصل مَدَدٌ عالي المستوى لثقافة كبت الانقلابات، وكره الناس فكرة الانقلاب كراهية تحريم، ولعنوها معَنا، وصار الانقلاب الصحراوي هو الطلقة الأخيرة التي يطلقها التاريخ على جبـين الفكر الانقلابي لتخمد أنفاسه، وكانت حادثة الانقلاب هي الحادثة الهازّة الخاضّة التي تأذن بـبداية مرحلة انـتصار الدعوة، مما تكلمتُ عنه قبل أربعين سنة في آخر كتابي "المنطلق"، فليس هناك انقلاب بعد اليوم بإذن الله تعالى إذا سقط انقلاب السـيـسي، واليوم سـنـنافس بفكرنا المسـتمد من الوحي، وبكفاءتنا التي وفقنا الله إليها المسـتمدة من مدى قوة تـنظيمنا ومدى أخذنا بأسباب التطور، والتطور الإعلامي بخاصة، ولن يسرق الثورة بعد اليوم إذا أسقطنا السيسي مجرم انقلابي آخر، وهذه الأيام كأنها هي أيام بداية مرحلة الصندوق الانتخابي الحُر الذي لا يتلاعب به تزوير، وسأكون أنا والألماني والكندي والاسترالي والياباني سواء بسواء، لأول مرة في التاريخ، وتلك هي رحمة الله أنزلها علينا بعد حُسن الصبر الذي قابلنا به الآلام والدماء، ثم هي عطية محمد بن زايد للدعوة من حيث لا يشعر، وقد ارتكب الخطأ النافع لنا ومن المستحيل أن يستدرك، وحين سيخرج أحرار الإمارات من السجن: سيبهرهم زحفٌ إسلاميٌ هادر يملأ الآفاق تقوده (مصر .. أم الدنيا) فيأخذون مكانهم اللائق تحت اللواء، ويرتفع التكبير، وتُدوّي الجَنَباتُ بالثناء على الله الرحيم، ويقال: الحمد لله رب العالمين.
· المنحة الثالثة عشر: أن الإسلاميين كسبوا الإعلام العالمي إلى جانبهم بمقدار ما أساء الإعلام المصري المحلي الذي ارتكب المخازي وباع الضمائر بالكامل، فمجلة تايـم معنا، ومَدَحتنا وشرحت قضيتنا بحيادية صُحف: نيويورك تايمز، والجارديان، والديلي تلغراف، ومجلات: فورِن أفّيرس، وشبيغل أون لاين، وأدت قنوات الحوار والمستقلة والقدس، والقنوات التركية أدوارها بنجاح، ومالت قناة بي بي سي في أغلب أدائها إلى الصدق ونقلت صور حشودنا، وانحاز لنا كُتّابٌ كبار وفلاسفة عظام، مثل نعوم جومسكي، وروبرت فيسك، ونشرت مؤسسة حقوق الإنسان (هيُومَن رايتس) تقريرها الذي يدافع عنا، وحصل خيرٌ كثير لأول مرة في التاريخ المعاصر، وأما المواقع الإنـتـرنـيـتـية ومقالات الفيسبوك وتغريدات التويتر المؤيدة للشرعية ومرسي والدعوة فأكثر من أن يستوعبها إحصاء، وبكل اللغات، بينما المذمة تلاحق عصابة الحرامية السـبعة الذين عملوا الانقلاب، وبكل اللغات أيضاً.
· المصلحة الرابعة عشر: أن الملاحدة من علمانيي مصر، وطبقة السياسـيـين الانـتـهازيـيـن فيها، وعُتاة جنرالات الجيش المصري: كُلّهم قد انفضحوا لكل العالم، وصاروا مثال العدوانية والافتيات على حقوق الإنسان والكذب والظلم وبيع الضمائر بالمال، وكل ذلك ما كنا نـسـتـطيع زعمه أو البرهنة عليه بشكل مقنع، إذ لا وثائق لدينا، فلما حصل الانقلاب وأيدوه بل كانوا قادته: برزت قاعدة: من فمك أُدينك، ومن صورتك وموقعك وجلستك أجزم بإجرامك، ورأى الناس في كل العالم الفرق بين النموذجين: الإسلامي الطاهر، ومجتمع اللصوص العفن، وحصلت في أرض الواقع معاني (المفاصلة) التي جعلها سيد قطب شرطاً في إدارة المعركة السياسية بـبُعد عقائدي، وكان برهان المفاصلة في فكر سيد قطب رحمه الله لا يفهمه غير أهل العمق من الدعاة، لاحتياجه إلى فهم الموازين القرآنية والفقهية، واليوم يفهمه كل مسلم، وهذا انـتصار لفكر سيد بعد نصف قرنٍ من تدوينه، وارتقت المعركة من كونها سياسية فقط، إلى كونها عَقَدية، وذلك أوج النجاح وأعلاه وأزكاه، وصارت معركتنا: (ربانية)... !!
· المنفعة الخامسة عشر الكامنة في ثنايا غُمّة السـيـسي والفتـنة الصحراوية: قضية هي من ظواهر حركة الحياة لا يفطن لها إلا من ينظر بأناة، فيرى الحكمة في جريان الأقدار الربانية، وكيف يتحول الكيد إلى منافع، وإن الشعب المصري قلّت أرزاقه بصورة عامة، بسـبب المشاركة في الثورة ثم بسـبب الشَغَب الذي مورس ضد الرئيس مرسي خلال السنة الأولى من حكمه، وكانت مشاريعه التنموية واعدة، ولكن انعكاس خيراتها على الشعب مؤجّل، فأحاطت بالناس شِدّة، وحصل بأسٌ واحتياج للمال، وبلغ الصبر مداه، وفجأة انهالت بضعة مليارات من الدولارات على مصر من ملوك الصحراء وأميركا وإسرائيل وإيران، لا لتذهب إلى ميزانية الحكومة، بل هي رشاوى سبقت الانقلاب اشـتـريت بها ضمائر الإعلاميـين والعسكريـين والقضاة وبقايا المخابرات القديمة والبلطجية والفنانين وملاحدة العلمانيـين وأشكال ناشزة أخرى، منها عمائم ولحى كانت جاهزة للاسـتـئجار، وهذه الأموال ما كانت لتـنحبس سوى القليل منها، فإن شهوات المنـتـفعين منها وبَطَر زوجاتهم تجعلها تنصرف في مجاريها الطبـيعية باسـتـرسال عفوي، فالبعض منهم سـيـبـنـي بما حاز من مال حرام بـيـتاً، ومعنى ذلك: مورد رزق للنجار والحداد وعامل البناء والصّباغ وأمثالهم، وبعضهم تجبره زوجته على شراء مصوغات وحُلي، وتفصيل ملابس وبدلات بإسراف، فيـنـتـعش سوق الذهب ويسـتـرزق أهل محلات الخياطة والأحذية والتطريز، وبعضهم يشتري سيارة ويتفاخر بتوظيف سائق، فيأتي رزق لمن يتوظف كسائق، والبعض يولم ولائم السمك الفاخر لأصحابه، فيـتـوسع رزق الصيادين، وهكذا في متوالية كثـيرة التـنوع تـنـتعش فيها موارد أهل المهن، وهم أكثر الشعب، وبذلك كانت المؤامرة الخليجية الأميركية سبب خير لعموم أهل مصر ومؤمنيهم أكثر من فاسقيهم، فحصل فَرَج يؤهل الناس لمرحلة ثانية من ثورة 25 يناير عنوانها الاعتراض على انقلاب السـيـسي، ويكون ملوك الصحراء قد دفعهم القَدَر إلى تمويل الثورة الثانية وهم لا يشعرون، وذلك من أنباء تحليل حركة الحياة لمن يلقي السمع وهو شهيد، وأكثر الناس يسـتعجلون ويسـتغربون، لأنهم لا يعلمون، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهو خير الماكرين، وَلْيَمُت الصحراوي بغيظه، فإنّ غزوته فشلت، وتحولت الغنائم الوفيرة لنا، لما صَبَرنا ونقّينا النوايا، وبما اعتمد الغازي على أغبياء وسفهاء مرتزقة، واعتمدنا على الله تعالى، ثم على الثقات الأُمناء، وسوف يتم الله نوره ولو كره الظالمون الفاسقون.
        قال: قد بايعت في الأول .! ،   قال: وفي الـثـاني .!
  هذه هي تقويمات الحَدَث الانقلابي في الرؤية التحليلية الدعوية التي تستحضر موازين فقه الدعوة وقواعد التخطيط للعمل السياسي في مرحلته المتقدمة، وأرى أن أليق ما يتحلى به الدعاة هذه الأيام: الثقة بالله تعالى، وأنه ناصر المؤمنين، ثم الثقة بأنفسهم، وبالصفّ الذي ارتضى أن يتحرك بأوامرهم، فإنّ الدعوة هي دعوة الله، وهو الذي يرعاها، وظنـُّنـا أن الله أرحم بعباده من أن يدعهم أُلعوبة بـيد السيسي والغُزاة من وراء الصحراء، فقد تـتابعت المحن وطال زمن العَنَت والإرهاق، وكأن الله تعالى سيأذن بفرجٍ قريب، والقضية الفلسطينية بخاصة هي في مضيق ومنعطف خطر، والجلاوزة يريدون غزو غَزة من سيناء ومساعدة اكتساحٍ إسرائيلي من الشمال والشرق والبحر، وهذا أخطر موسم مَرّ على الجهاد، ويمهدون الآن لقطع الأموال عنها، ليسـتـبد محمود عباس بالأمر ويسـتـسلم لليهود بشكل كامل، بـينما نحن نـنـتظر معركة فاصلة مع إسرائيل بعد سنوات، ولذلك لابد في الرؤية القَدَرية أن تعود مصر إلى الأيادي المتوضئة الأمينة الإسلامية وينهزم السيسي وسُباعي الطغيان، والقضية المصرية أصبحت هي قضية الأمة الإسلامية كلها، وانتصار الإسلاميين فيها هو مفتاح حصول متوالية الانتصارات في جميع الأقطار، ولنا يقين أنه في الآخر: لا يصح إلا الصحيح، وسيعز الله الإسلام، ويخسأ الطغيان والفسوق، وليست هي حروف تـشجيع، وإنما هي تحليلات واقعية في ضوء فقه الدعوة ومعادلات حركة الحياة.
· أما لماذا كانت الرِّدّة عن الحرية، وكان الوَجَل، وكثرت قوافل الشهداء؟
· فالجواب: إن الشهادة منحة عظيمة من الله يهبها الله لمن يشاء من عباده إذا علم منهم الإيمان والإخلاص وارتضى لهم الجنة، وما هي بضريـبة أو خسارة، بل هي هدية الله للصالحين، والموت قريب من كل أحد منّا، بمرض أو دهس، فلئن يكون اسـتـشهاداً برصاصة خير من أن يكون على الفراش، وقصص من قضى نحبه في سبـيل الله: تـنـيـر الدرب للسالكين، وهنا في درب الحرية هي المقامات الكبرى، لا في رباطات الصوفية السلبـية الانعزالية.
وكأن الله فيما أفهم يريد بحكمته توكيد تسليم دعاة الإسلام زمام قيادة الأمة، فلعل أحداً من أهل الحسد أو من ضعاف المسلمين كان سيقول: قد كانت فلتة واستلمها مرسي بفارق قليل، مع أن أمر الخصم ابتنى على تزوير النسبة، أو كان يمكن أن يتصدر مصلحي يحرف المسيرة، مثل السـيـسي نفسه الذي وثق المرسي بـيمينه فحنث، فأراد الله تعالى عودة الفاسقين إلى الحكم، ثم إلهام الإسلاميين أن يـثبتوا في الساحة، ويكرروا الثورة السلمية، فيكون مجيؤهم الثاني إلى السلطة جازماً مُبرماً حاسماً هو فوق الخلاف والوسوسة وتكون كل البشرية على صدقه شاهدة دون شك مريب.
· وتعود بي الذاكرة إلى قبل نصف قرن حين كنت طالباً في السنة الرابعة النهائية بكلية الحقوق بجامعة بغداد، وكان كبير قضاة العراق الأستاذ محمد شفيق العاني يُدرسنا أحكام الأوقاف، وهو ذاك الحين رئيس محكمة النقض والإبرام، التي تُسمى في العراق: محكمة التمييز، متابعة لاصطلاح استعملته الدولة العثمانية، فكان يقول لنا: في بعض الأحيان تـتصاعد حماسة ثريٍّ ويزداد إيماناً فيوقفُ وَقفاً، يرجو به الثواب والجنة، ولكن أولاده وزوجته ممن سـيرثونه يـتضايقون من فعلته، فما يزالون في محاولة  تثبيطه وصرفه عن نواياه الخيرية ثم حمله على أن يقيم دعوى يطلب فيها نقض وقفيته، وذلك جائز في بعض المذاهب، ولكن عند الحنفية أن القاضي إذا نَظَر في دعوى النقض وقرر إمضاء الوقف وردّ الدعوى لعدم وجود ما يسوغ النقض من أسباب: فإنّ هذا الرفض يجعل الوقف لازماً مؤبداً ويمنع الواقف من معاودة طلب النقض في دعوى ثانية، فكان أُستاذنا محمد شفيق العاني يقول لنا: ستكونون قضاة ربما، فإذا جاءكم مسلمٌ خيريٌ يوقف وقفاً وقبلتم وقفيته فاطلبوا منه أن يرجع إلى المحكمة في اليوم الثاني أو بعد ساعة من انفضاض الجلسة، وعلّموه أن يسـتـنكف عن فعلته ويطلب نقض الوقفية، وعندئذ احكموا برد طلبه ورفضه، فيسقط حقه في المستقبل في إقامة دعوى نقض أخرى، ويصبح الوقف مَحسومَ الأمر بتاتاً ومؤبداً، وعندئذٍ فقط اكتبوا له صَك الوقفية وسندها، واذكروا فيه أنه ندم وطلب نقض ما وقف وأن المحكمة لم تجد ما يُسوّغ قبول طلبه، وأن الوقف أصبح لازماً مؤبداً ولا يستطيع أي قاضٍ آخر أن ينقض الوقفية، وبذلك تفوتون الفُرصة على أقارب الواقفين في أن يوسوسوا لهم بالبخل.
· فأنا أرى أن مسألة اختطاف الرئيس مرسي وحصول كل هذا السوء: شـبـيهة بقصة الحكم الثاني للقاضي بإمضاء الوقف بعد طلبِ نقْضٍ وجَعْلِ الوقف مؤبداً بمثل هذه الفذلكة، فهذه فذلكة ربانية عالية الحكمة، أراد الله بها بيعةً ثانية لمرسي أو أخ له بعد فوزٍ بنسبةٍ مئوية كاسحة تُلْقِمُ حَجَراً كلّ مُوسوسٍ وطاعِنٍ وحاسدٍ وزاعمٍ لفلتة.
· هذا فهمي، والله المستعان على ما يصفون، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
· وأعتذر لجمهور الدعاة الذين بلغني أنهم قالوا: أين رأي الراشد في القضية ؟ فإني مريض، وأعاني من ألم الظهر ما جعلني أستريح الساعات الطوال بعد كل صفحة كنت أدونها من هذا التقرير، حتى تم بحمد الله بعد معاناة.
وأنا محتاج لدعاء إخواني المؤمنين
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.                        
                                                 محمد أحمد الراشد
في العشرين من رمضان المبارك 1434ه
   الموافق 29/7/2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق